المعرفة للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المعرفة للجميع

زاد المعرفة ونبراس يضيء كل الدروب المظلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الفلسفة و اليومي: ضد الراهن ومقاومة للتقليد من أجل بعث تراث حي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 41

الفلسفة و اليومي: ضد الراهن ومقاومة للتقليد من أجل بعث تراث حي Empty
مُساهمةموضوع: الفلسفة و اليومي: ضد الراهن ومقاومة للتقليد من أجل بعث تراث حي   الفلسفة و اليومي: ضد الراهن ومقاومة للتقليد من أجل بعث تراث حي Emptyالأحد فبراير 12, 2012 6:57 am

الفلسفة و اليومي: ضد الراهن ومقاومة للتقليد من أجل بعث تراث حي
2005-01-16

عبد السلام بنعبد العالي

ترددت كثيرا قبل وضع هذا العنوان الصغير الذي يبدو أنه يضع ما سنتناوله جهة السلب والنفي، إن لم نقل جهة الرفض والعنف. كما تردد في ذهني، تفاديا لكل هذا، أن أقترح عنوانا آخر أكثر مهادنة، كأن نقول على سبيل المثال: نحو سيميولوجيا للحياة اليومية، لولا أن هذه العبارة لا تبرز بشكل جلي التقابل الذي ينطوي عليه العنوان الأساس.
ذلك أن ما يوحي به هذا العنوان هو مقابلة بين اليوميّ والفلسفة. وهي مقابلة تذكّرنا بمقابلات بين أزواج متعددة مثل الرّتابة/التجدد، والاجترار/الإبداع والانغلاق/الانفتاح، والاتصال/الانفصال. وفي اعتقادي أن هذا الزوج الأخير يكاد يضم الأزواج الأخرى جميعها. ذلك أن الاتصال يعني سيكولوجيا الاجترار والتكرار، واجتماعيا الرتابة والروتين، وايديولوجيا الدوكسا وبادئ الرأي، وزمانيا التقليد والماضي الجاثم، وأنطولوجياً التطابق والوحدة.
على هذا النحو تغدو الفلسفة، في مقابلتها لليومي، سعيا وراء إحداث الفجوات في ما يبدو متصلا، وخلق الفراغ في ما يبدو ممتلئا، وزرع الشك في ما يبدو بدهيا، وبعث روح التحديث في ما يعمل تقليدا، وتوليد البارادوكس في ما يعمل دوكسا.
الفلسفة اذاً مقاومة تعمل في جبهات متعددة، أي تعمل ضد كل ما من شأنه أن يكرس الامتلاء والتطابق والتقليد.
لن نسهل علينا المهمة ونقول إنها بذلك تعمل ضد الايديولوجيا، باعتبار أن الآلية الإيديولوجية أساسا تقوم على كل هذا. فهي إعادة إنتاج لعلائق الإنتاج، وهي الاسمنت الموحّد للمجتمع، المغلف لتناقضاته، المقنّع للاختلافات فيه، الباثّ لنوع من الرأي الذي يكبّل التفكير ويخنق كل روح انتقادي. وحتى إن أبى بعضنا إلا أن يتشبث بهذا الطرح للمسألة و يردنا إلى إشكالية الفلسفة والايديولوجيا ، فلنلتمس منه التوقف من جديد عند هذا المفهوم لأنه يظهر أنه غدا يعمل في يوميّنا بغير الطريقة التي كان يعمل بها في ما سبق.
لا شك أن القارئ يخمن أنني أشير هنا إلى الربط الذي يضعه دوبور في مجتمع الفرجة بين الفرجة والايديولوجيا، عندما ينتهي إلى القول بـ«أن الفرجة هي الايديولوجيا بلا منازع». ليس في امكاننا أن نفهم هذا الربط، بطبيعة الحال، إن نحن اقتصرنا على المعاني التي أوجزناها قبل قليل عن الآلية الإيديولوجية. ذلك أن هذه الآلية لم تعد اليوم تتمثل لا في قلب الواقع، ولا في تشويهه، ولربما ليس أساسا حتى في تغليف تناقضاته، وإنما أصبحت تتمثل في خلقه. لا نقول إنها تخلق الواقع، وإنما تخلق شيئا من الواقع، تخلق ما يعمل كواقع.Elle crée du réel
عندما نقول إن الفرجة هي الايديولوجيا بلا منازع، فإننا نشير اذاً إلى أنها فن جعل الواقع مفعول ما يصوّر به وما يقال عنه. إن المنطق المتحكم هنا منطق غريب يمزج بين الحلم والواقع، ويخلق الواقع الذي يتنبأ به فينبئ عنه. الإيديولوجيا هي ما يجعل الأشياء حقيقة بمجرد التأكيد الدائم على أنها كذلك. والفرجة انفراج وفوهة وابتعاد. مجتمع الفرجة هو مجتمع يعاش فيه الشيء مبتعدا عن ذاته، مفوّضا بديله وصورة عنه. إنها لب لاواقعية المجتمع الواقعي، «لبّ سوريالية الواقع». انه واقع يفتقد شيئا من الواقعية، واقع يتلبس الوهم، و يتحول إلى سينما.
لا عجب اذاً أن تغدو الشاشة اليوم صورة عن الواقع، إن لم تكن هي الواقع ذاته في مباشرته و حيويته و حياته IN LIVE، وتصبح الأحداث الجسام وقائع متنوعة تتكرر و تجترّ، مع ما يتولد عن ذلك من تهوين للأهوال، مما يجعل الفرد عاجزا أمامها عن أن يحس الاحساسات التي كان ينبغي أن يحسها، ولا أن يستشعر المشاعر التي كان يلزم أن يستشعرها، ولا أن يرد ردود الأفعال التي كان يتوقع أن يرد بها. فكأن الفرد يفقد حسّ الواقعية، بل حسّ التمييز بين ما ينبغي أن يفعل وما لا ينبغي، ما يمكن أن يقبل، وما لايمكن، ما ينبغي أن يقال وما لا ينبغي، ما يلزم أن يستنكر، وما لا يلزم، ما يبعث الألم وما لا يبعث، ما يلهب المشاعر وما لا...
إن الإعلام لم يعد اليوم يخبرنا عن الواقع، بل أصبح يصهرنا فيه إن صح التعبير، أصبح يحشرنا في اليوميّ ويغرقنا فيه. أصبح يخبرنا إلى حد التخمة. فعوضا عن أن يجعلنا ندرك الأحداث في بعدها التاريخي ودلالاتها العميقة، صرنا نضيع في جزئياتها، بل إن الأحداث هي التي أصبحت تضيع وتتحلل و تتفتت. لقد غدا الإعلام أداة لتفتيت الواقع، أداة لإذابة الأحداث و تحليلها الكيماوي و تحويلها إلى مركباتها: تحويل الحروب إلى معارك متفرقة، وتحويل المواقف إلى ردود أفعال متقلبة، والأفكار إلى انطباعات مترددة، والانقلابات إلى سلسلة من الفتن، والاحتلال إلى محاولات إصلاح، بل تحويل الخبر ذاته إلى سلسلة من العجالات يكذّب اللاحق منها السابق.
قد يأخذ عليّ القارئ هذا الانزلاق من الحديث عن دور الفلسفة اليوم، إلى الحديث عن مجتمع الفرجة، إلى الايديولوجيا إلى الإعلام. إلا أنني أرد بالسؤال: هل يمكننا اليوم أن نتحدث في الفلسفة وعنها، خصوصا عن علاقتها باليومي، من غير الحديث عن كل هذه الأمور؟ ألا تعمل الايديولوجيا اليوم على غير النحو الذي عملت به لحد الآن؟ ثم، ألا يشكل الإعلام ، الإعلام بما هو حرب، والحرب بما هي إعلام Infowar كما كتب فيريليو، غذاءنا اليومي إلى حد أن بامكاننا أن نتكلم اليوم عن توتاليتارية الإعلام، شريطة أن نعتبر أن التوتاليتارية هي أيضا تعمل في يوميّنا على غير النحو الذي عملت به ربما لحدّ الآن. فليس وراءها اليوم نازيّ متشنج، ولا شيوعيّ متعصّب، وإنما وراءها الإعلام بما يولده من أفراد فقدوا القدرة على إدراك حقيقة التجربة الواقعية، أفراد لم يعد في امكانهم أن يستشعروا حقيقة العالم الواقعي، ولا معنى ما يتم فيه، وغدوا عاجزين عن تحديد صحة الخطابات ومعناها، وأصبحوا مستعدين لأن يتقبلوا أيّ خطاب حول العالم. إنهم فقدوا القدرة على التّفرقة و التمييز، فقدوا حسّ الانفصال، حسّ الاختلاف، وصاروا يوحّدون ويسوون بين كل الأمور، يسوون بين الكل، أصبحوا كليانيين.
الفلسفة، اذاً، بما هي مواجهة للإعلام هي مواجهة للتوتاليتارية. إنها سعي لتجاوز الإعلام كتقنية ومحاولة لاسترجاع تلك القدرة على التمييز، محاولة لإحياء حس الاختلاف وزرع روح الانفصال. إن الفلسفة تنسج على أرضية يطبعها الانفصال، أو على الأصح إنها هي التي تقيم ذلك الانفصال. لا يعني ذلك أنها ستبنى على زمان متفتت يتكون من آنات متناثرة. وحتى إن كان، ولا بد أن نحافظ هنا على مفهوم الآن، فلا ينبغي أن نحدده التحديد الهندسي من حيث هو نقطة التقاء خطين، وإنما أن نعيّنه تعيينا فيزيائيا من حيث هو فعل التقاء سلكي تيار كهربائي. الآن، شرارة وانفجار. انه لحظة تصدع. واللحظة «ليست أصغر جزء من الحاضر، بل إنها تفتح الحاضر أو تصدّعه». إن الحاضر كلحظة يحدث فجوة في الحال الراهن. اللحظي «هو ما يقوم ضد الراهن، انه قرار التاريخ النقدي الذي ينزل على ثقل الماضي وعلى ثقل الحاضر».
من هنا تغدو الفلسفة مقاومة للماضي الجاثم، مقاومة للتقليد لبعث تراث حي. إنها تغدو زرعا لروح التحديث. ذلك أن الحداثة ليست مجرد وقوف عند، مجرد إثبات للتحولات الكبرى في مختلف المجالات، وهي ليست بالأولى حقبة زمنية، إنها ليست فترة تمتد بين تاريخين، وإنما هي عصر. وما يميز العصر هو كونه علاقة متفجرة للماضي بالمستقبل. فعند كل عصر ينكشف عالم من العوالم، أي تنكشف بالنسبة لإنسان ذلك العالم علاقة جديدة للماضي بالمستقبل. الحداثة، اذاً، شكل من العلاقة المتوترة مع ما يحدث في الوضع الراهن، واختيار واعٍ، نمط من التفكير والإحساس، وطريقة في السلوك والاستجابة تظهر كمهمة ينبغي الاضطلاع بها. إنها وعي بأن الكائن تحول. إنها إثبات للانفصال، ووعي بالحركة المتقطعة للزمن، إنها اللحظة التي يصبح فيها الانفصال من صميم الوجود ويغدو نسيج الكائن ولحمته.
ان الحداثة لا تقابل ما قبلها ولا ما بعدها، وإنما تقابل ما ليس إياها، أي تقابل التقليد. وليس التقليد هنا منظومة بعينها من القيم، ليس التقليد أفكارا بعينها، وإنما هو موقف، و هوا لموقف المضاد للتحديث، أي الموقف الذي يغدو فيه الاتصال لحمة الكائن، ويرتبط فيه طرح القضايا الكبرى بتقصي الاستمرار و الدوام، دوام الخصائص التي تميز، والسمات التي تطبع، والحقائق التي تُعتنق، دوام اللغة التي نتكلمها، والعادات التي نألفها، والعبارات التي نلوكها، والآراء التي نتداو لها، والعمارة التي نقطنها. معنى ذلك أن التحديث لا يمكن أن يكون إلا حركة دؤوبة تطرح منطق الاتصال هذا موضع تساؤل، وتفسح للتفردات فرصة الظهور، وتجعل من الخصوصية حركة لامتناهية للضم والتباعد، ومن الآخر مجالا مفتوحا للانفصال والالتقاء.
ها نحن نرى أن الضدية ضد الراهن لا تغدو، إن تجاوزنا المفهوم الميتافيزيقي عن الزمان، ضدية موجهة ضد الحاضر ( إذ أن الراهن ليس الحاضر)، وإنما هي ضدية موجهة نحو الماضي قصد فتحه على آفاق جديدة، وعدم سجنه ضمن صورة متجمدة منغلقة، تجعل منه تقليدا جامدا ميتاً. و هي ضدية موجهة نحو المستقبل لفتح آفاقه المتعددة وعدم سجنه ضمن مخططات وتصاميم رياضية، لكنها أساسا ضدية موجهة نحو الحاضر، نحو الحضور، ليس كنمط للزمان، و إنما كميتافيزيقا و تقنية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
 
الفلسفة و اليومي: ضد الراهن ومقاومة للتقليد من أجل بعث تراث حي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المعرفة للجميع :: الفلسفة والإنسانيات :: فضاء الفلسفة بالثانوي :: مقالات فكرية-
انتقل الى: