يتأطر السؤال ضمن الإشكال الفلسفي المتعلق بالوضع البشري، وبالضبط مايهم تحديد الهوية الشخصية. والقضايا والتساؤلات التي تطرحها هذه الهوية في علاقتها بالعقل والجسد.. ويمكن تحيل ومناقشة هذا الإشكال على ضوء الأسئلة التالية:
-بم تتحدد الهوية الشخصية؟ ماقيمة الشخص؟ ماعلاقة الهوية الشخصية بالجسد؟ هل الجسد وحده هو مايحصر هوية الشخص؟ أليست هناك محددات أخرى لهذه الهوية؟
ينبني السؤال على مفاهيم فلسفية أساسية ترتبط في ما بينها بأبعاد علائقية اشكالية: هل، هوية الشخص، قيمة الشخص، الجسد
هل: هي حرف استفهام يراد به التصديق أو عدمه أما هوية الشخص كمفهوم فلسفي فتدل على ما يعرّف الشخص ويحدد ما هيته وكينونته، بينما تدل القيمة لفظا على السعر وفلسفيا على المكانة والمنزلة التي يكتسيها وجود الشخص. ولفظ الجسد فيشير إلى ذلك الوجود المادي للشخص في الواقع
ترتبط هذه المفاهيم لتصب في بناء أطروحة مفادها أن أساس هوية وقيمة الشخص هي الجسد وحده.
فعلا، في الحياة اليومية مع الناس يتجلى كل شخص أمام ناظريه بجسده وهيأته الخارجية. بقبحه وجماله، برداءته وأناقته تحدد قيمته وأصله أهو بدوي أم حضري؟ أهو مثقف أم أمي؟ لأننا مهما حاولنا فلن نفلح في سبر أغوار هويته الداخلية ومعرفته عن حق. فمعرفتنا له لا تعدو عن تحديد ظاهري لهويته الشخصية. ويبقى الجسد المادي هو السبيل الوحيد لتحديد هوية كل شخص وتقدير قيمته تبعا لمعطيات ظاهرة يحددها الجسد.
إن الجسد هو معطى مادي محسوس، إنه الوجه الذي تتجلى به هوية الشخص وتتحدد به قيمته. فالجسد يجسد الكوني العام لدى الشخص، الذي يعكس رغباته وشهواته وغرائزه، حاجاته وقواه، وكل المعاني الفطرية الطبيعية فيه والتي يشترك فيها مع الاحيوان الذي له جسد أيضا لكن ليست له هوية شخصية ولايسمو إلى قيمة الشخص. لأنه ليس ذاتا حقوقية كالانسان. فما الذي يحدد هوية الإنسان وقيمته إذن؟
صحيح أن الجسد كمعطى بيولوجي يمكن إلى حد ما من تحديد هوية الشخص إذا ما نظرنا إليه من الخارج. ولكن هذه النظرة وهذا التحديد يختزل قيمة الشخص فيما هو كوني عام ويمحي عن هويته الشخصية وسامها الأصيل الذي هو الخصوصية والتفرد ويحط من قيمتها ويسويها بالحيوانات والبهائم.
إن الفيلسوف الذي فكر بشكل مركزي في الهوية الشخصية هو كانط الذي يؤكد على أهمية العقل في تحديد هوية الشخص. فالعقل بوصفه ملكة التمييز بين الصواب والخطأ بين الخير والشر يستطيع تشريع قوانين يسميها القانون الأخلاقي ويترجمها إلى سلوكات ويطبقها الجسد من خلال الفعل الجسدي وتتحدد للرائي هوية الشخص ويحكم على قيمته: مثقف، متحضر وواع. وهذا ما يغيب عند الحيوان الذي يقوم بسلوكات غريزية محضة وتفلت من سيطرته. عكس الإنسان الذي يدبر غرائزه ويهذبها بواسطة العقل. وفي نفس الإطار أسس ديكارت سلفا هوية الذات البشرية على العقل والتفكير الذي هو خاصية إنسانية. إنه المعنى الأسمى والكوني الذي يميز الشخص وحده عن باقي الكائنات التي تتواجد مع أجسادها في الزمان والمكان.
وبعيدا عن العقل، آمن جون لوك تلميذ المدرسة التجريبية بأن الشعور هو ما يحدد هوية الشخص المفكر العاقل والذاكرة التي هي امتداد للشعور في الزمان والمكان. لكن الشعور والذاكرة يوجدان لدى الحيوان أيضا وإذا ما فقد الشخص ذاكرته هل يفقد هويته؟ بالطبع لا! لأن إرادة الحياة هي التي تحفظ للشخص هويته الخاصة حتى عندما ينسى أو يصاب بفقدان الذاكرة كما يقول شوبنهاور.
نستنتج إذن أنه لا يمكن حصر هوية الشخص وقيمته في الجسد وحده فهو غير كاف لتحديد هويته. هناك محددات اهم وادق تمكن من معرفة هوية الشخص وإعطائها قيمتها دون أن تتعارض مع الخواص الكونية والمميزة للشخص.
إن تحديد هوية الشخص وقيمته موضوع فلسفي إشكالي يتطلب مقاربات عدة ذات أبعاد قيمية أخلاقية اجتماعية ولايمكن حصرها بقول واحد. وقد أجمع الفلاسفة على أن هوية الشخص المركبة إشكالية معقدة. والقول فيها يخضع للتجاوز مع المحافظة تبعا لمنظور كل فيلسوف حسب بيئته.
الخميس فبراير 16, 2012 1:42 pm
