هل الخضوع للقوانين يلغي الحرية؟
يتحدد مجال السؤال المطروح في إطار الأخلاق، وهو يطرح إشكالية العلاقة بين الحرية والقانون من خلال أوجه متباينة. فما العلاقة التي تربط الحرية بالقانون ؟ وهل القوانين تلغي ذلك المقدار من الحرية التي يمتلكها الإنسان، أم أنها على العكس من ذلك تدعم الحرية وترفع من إمكانية تحقيقها ؟
من خلال تحليلنا للسؤال يتبين أنه يثير القضية التالية: إذا كان من الضروري الخضوع للقوانين للتعبير عن حالة إنسانية مخالفة لحالة الطبيعة فهل سيؤثر هذا الخضوع سلباً على حرية الإنسان فيقوم بإلغائها؟
انطلاقا من مسلمة أن القوانين هي قواعد وتشريعات تنظيمية تحدد الحرية الإنسانية، ولتأكيد ذلك التأثير السلبي للقوانين عليها، يذهب الفيلسوف " ماكس سترنر " للقول بأن الحديث عن الحرية داخل نظام الدولة أمر مستحيل، لأن الدولة تحد من حرية الفكر والعمل، وذلك بواسطة قوانينها التشريعية والتنظيمية.
من هنا يمكن أن نتساءل من جديد: ألا يمكن للقوانين أن تساهم في الرفع من إمكانية تحقيق الحرية في المجتمع؟ وبأي معنى يمكن القول إن الإمتثال للقانون تعبير عن الحرية؟
لمناقشة السؤال يمكننا في هذه اللحظة استدعاء المواقف التالية :
1- يرى الفيلسوف " إيميل دوركهايم " أن الجمع بين الحرية وغياب النظام يعتبر نوعا من التناقض، وبالتالي فإن اعتبار الحرية حقا لكل شخص يستلزم بالضرورة وجود نظام سياسي وقوانين تنم الحرية وتحدد ميدان تعايش الحريات، ويبقى المجال الحقيقي للحرية هو المجال السياسي القائم على إمكانية الفعل والكلام.
2- ومن نفس زاوية الرؤية، يرى أحد أبرز فلاسفة العقد الإجتماعي " توماس هوبز " أن الحرية المطلقة التي عاشها الإنسان في مرحلة حالة الطبيعة كانت ضرباً من العبثية واللاجدوى، بل كانت سببا في تعرض الأفراد للإعتداء، فقط تحت حكومة الدولة والسيادة للقانون تضمن للمواطنين حرياتهم وإن كانت تجردهم من بعضها. ويعقد توماس هوبز مقارنة بين حالة الطبيعة وحالة المجتمع المدني فيرى أن الفرد خارج المجتمع لا يمتلك أي شيء، بينما في المجتمع يتمتع بحقوق شخصية، كما أن الحياة خارج المجتمع تشبه حياة اللصوص، بينما داخله يحصل الفرد على حماية المواطنين نظرا لتعاونهم.
إن الفرد خارج المجتمع لا ينفعه ذكاء ولا استقامة، بينما داخل المدينة لا ينقصه شيء، فالياة خارج المجتمع همجية ووحشية وخشنة، بينما في إطار نظام الدولة يمارس العقل سلطته ويعود السلم إلى العالم فيتحقق الإبداع والفن، الجمال والحضارة.
3-من جهة أخرى، نجد الفيلسوف" بنجامان كونستان" يتحدث عن الحرية عند المحدثين، ويقدم تعريفا شاملا وموسعا لها، باعتبارها تمتع الفرد بكل حقوقه المدنية، كأن لا يكون هناك حرية الإعتداء أو الإعدام وسوء المعاملة بأية طريقة. كما أن الحرية تتمثل في التعبير دون خوف وحق الملكية والتجوال والتنقل دون قيود، وتضمن للفرد تكوين جمعيات واختيار العقيدة التي يشاء والهوايات التي يفضل، وهي بذلك تضمن له حرية المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية بكل أشكالها.
وكتركيب لتلك المواقف، يمكن أن نطرح تساؤلاً جديداً، فلو افترضنا، على ضوء السؤال السابق، وجود قانون يضمن للجميع حرياتهم الفردية والجماعية، فهل سيعتبر الإمتثال له إلغاءً للحرية؟