يمكن القول : بموضوعية السؤال وذاتية الإجابة على الرغم من أن الفلسفة اختصاص واسع ومعقد , إلا أن كلاً منّا يفكر ببعض القضايا الفلسفية من وقت لآخر . فمن منا لم يتساءل عن مدى قدرته على صنع اختياراته واتخاذ قراراته وتوجيه مسيرة حياته ؟وهل يمتلك فعلاً إرادة حرة ؟ من منا لم يفكر بعلاقة الجسد والفكر والروح ؟من منا لم يفكر بالنتائج التي توصل إليها العلم , ومدى انسجامها مع معتقداته الدينية ؟ من منا لم يفكر بكيفية تنظيم العلاقة بين الدولة والمواطن وكيفية الحفاظ على الحريات في ظل الحكومات المختلفة ؟كثيرة هي الأسئلة التي تراودنا وتقلقنا أحياناً, ونسعى إلى إجابات حاسمة عليها , وهي أسئلة جديرة بالاهتمام , وقد شغلت الإنسانية على مدى تاريخها الطويل , وليس من السهل إيجاد إجابات حاسمة ونهائية عليها . لقد صدر مؤخراً عن وزارة الثقافة كتاب بعنوان » التفكير فلسفياً « الصادر عن جامعة كامبردج للمؤلفين كريس هورنر وإمريس ويستاكوت ترجمة الدكتورة ليلى الطويل , إلى الذين تشغلهم القضايا المذكورة أعلاه تستأثر بهم تلك الأسئلة. لا تتطلب قراءته أية خلفية فلسفية , فهو يهدف الى عرض القضايا التي تحظى باهتمام الناس العاديين وغير الاختصاصيين مثل : حين نشعر أننا نمتلك خياراً حراً , هل نتصرف بحرية فعلاً ؟ كيف نعرف أن ما نعرفه هو معرفة حقيقية وليس زيفاً أو كذباً ؟ هل يمكن ان يوجد العقل خارج الجسد؟ كيف يمكن أن يكون الجسد مادياً والعقل غير مادي؟ وكيف يتقدم العلم بهذه الصورة المذهلة اذا لم يكن يرتكز على حقائق؟ وهل العقيدة الدينية غير عقلانية في عصر العلم هذا ؟ وهل هناك حاجة للايمان حقاً ؟ ما دور الأخلاق في حياتنا ؟ هل هي مجرد شعور ذاتي أو انفعالي ؟ هل تمتلك خصوصية معينة لثقافة الفرد والجماعة , أم تمتلك سمة العالمية ؟ هل هناك دستور أخلاقي قابل للتطبيق في كل زمان ومكان ؟ كيف تحدد الحرية الفردية الحقوق والواجبات ؟ وهل هدف الدولة صيانة الحرية الفردية أم الرفاه الاجتماعي ؟وهل يسبق الحق الخير أم العكس ؟ كيف يؤثر الفن فينا , ولماذا يؤثر؟ ولم نثمن ونقدر الفن ونضعه في مكانة رفيعة ؟وعلى أي أساس يمكن تقييم العمل الفني ؟ ولإلقاء الضوء على محتوى أفكار هذا الكتاب والتعريف به التقينا الدكتورة ليلى الطويل التي تحمل دكتوراه فلسفة في المحاسبة من جامعة بورتسموث في بريطانيا , وهي أستاذ مساعد في جامعة دمشق سابقاً وجامعة تشرين حالياً, قامت بتأليف العديد من الكتب الاختصاصية,وترجمة بعض الكتب الأجنبية منها : طرائق البحث العلمي في العلوم الاجتماعية , وكتاب نظرية العدالة قيد الطباعة سيصدر عن وزارة الثقافة . لماذا تم اختيار هذا العنوان للترجمة ؟ هناك إقصاء للفلسفة عن حياتنا ومحاولة لإبعادها عن العلم باعتبارها تهتم بالميتافيزيقيا والقضايا المتعلقة بما وراء الطبيعة التي يصعب ايجاد إجابات تجريبية عليها , أو تقديم براهين أو تجارب حاسمة , ونتيجة هذه القطيعة بين المقاربة العلمية والرؤية الفلسفية للعالم أقصيت الفلسفة من العلماء أنفسهم , حيث اعتبروا أن جميع القضايا الميتافيزيقية التي تتجاوز حدود الطبيعة لا قيمة لها ,ولا يجب أن نشغل تفكيرنا أو اهتمامنا بها , لأنه لا سبيل الى التحقق من صدقها . وقد اختير هذا الكتاب لأنه محاولة لإعادة الفلسفة الى حياتنا وتقديمها كأداة تفكير لجميع الاختصاصيين , والمهتمين بالمعرفة بصرف النظر عن اختصاصهم الدقيق. لقد رأى بعض المفكرين وعلى رأسهم » أوغست كونت « أن الاختلاف في ميدان الفكر بسبب المجالات التي يبتعد فيها الانسان بتفكيره عن الواقع , حيث يتناول بالبحث والمناقشة أمور لا سبيل الى معرفتها , والكشف عن كنهها , كالبحث في جواهر الأشياء وأسبابها الأولى وغاياتها القصوى الذي أخذ طابعاً لاهوتياً » الحالة اللاهوتية «في بادىء الأمر , ثم طابعاً ميتافيزيقياً تجريدياً » الحالة الميتافيزيقية « ودعا كونت الى الانصراف عن هذه المواضيع والتركيز على ملاحظة الظواهر والعلاقات فيها حتى يتوصل الى القوانين التي تحكم هذه الظواهر لإمكانية الوصول الى » الحالة الوضعية « أو حالة الحقائق الواقعية . وقد أدى هذا الموقف الذي تطورت عنه التجريبية العلمية الى قطيعة بين الفلسفة والعلم لكن البحث في أية قضية من القضايا وحتى العلم نفسه إذا حاولنا تعريفه وبيان موضوعه ومناهجه لا بد أن ينتهي بشكل أو بآخر الى عالم الفلسفة , ويصعب في الحقيقة عزل أي شيء ينتمي الى عالم الفكر والنظر عن الفلسفة , وأي موضوع علمي نقوم بدراسته وتحليل نتائجه لا بد أن ندخل في الابستمولوجيا » الدراسة النقدية « لقيمة المعرفة وحدودها وشروطها وفي الميثودولوجيا أي النهج الذي يتبعه الباحث للوصول الى النتائج , وكل هذا لا يتجاوز حدود الفلسفة ولا ينأى ولا ينفصل عنها . - كأستاذة في المحاسبة في كلية الاقتصاد ما علاقة الفلسفة بهذا الاختصاص ؟ في المحاسبة وفي غيرها من العلوم تتوقف فلسفة الأبحاث العلمية على الطريقة التي نفكر بها فيما يخص المعرفة , فإذا كان الباحث مثلاً يتبنى الفلسفة الوضعية فإنه يتعامل مع الظواهر الاجتماعية كالظواهر الطبيعية من خلال الواقع الاجتماعي ومحاولة الوصول الى القوانين بطريقة موضوعية واذا كان الباحث من دعاة الظاهراتية فإنه لن يقبل بالاتجاه الوضعي وينظر الى عالم الاعمال على أنه معقد جداً بحيث لا يمكن اختزاله ضمن تعميمات وقوانين . وبما أن المحاسبة من العلوم الاجتماعية فلا يمكن دراستها الا من خلال أبعاد تتعلق بالوجود والابستمولوجيا والطبيعة البشرية والمنهجية , بمعنى هل الوجود وعي فردي أم بناء مادي؟ هل المعرفة تأويلية أم تفسيرية ؟ هل الطبيعة البشرية ذات إرادة حرة أم حتمية , هل المنهجية تجارب شخصية أم مقاربة علمية وتجتمع هذه الأبعاد الزوجية ذات الأقطاب في بعد جامع لها وهو الذاتية أم الموضوعية .. ومن خلال هذه الاجابة الموجزة كيف يمكن القول إنه لا علاقة للمحاسبة ولكافة العلوم بالفلسفة ؟وكيف يمكن أن لا نحاسب من يقول بغير هذا ؟ما هي أهم الأفكار التي شكلتها ترجمة هذا الكتاب لديك ؟ ان الفهم التام للعالم يتطلب تطابقاً بين الذات والموضوع وهذا غير ممكن .. لذا يمكن القول بموضوعية السؤال وذاتية الاجابة. وحتى تكون المعرفة صادقة يجب أن نتفق جميعاً على المقدمات ويجب أن تكون هذه المقدمات صادقة ويقينية ... ولكن جميع المعارف تقوم على مقدمات افتراضية فكيف نتفق على النتائج ؟ اذا كان الانسان يمتلك جسداً فيزيائياً أومادياً وعقلاً غير فيزيائي » خبرات الوعي « فإنه يعاني من ثنائية دائمة في حياته بين ما هو مادي و غير مادي .. ويتطلب منه أحياناً إلغاء جانب من هذه الثنائية خدمة لأفكار دينية أو إيديولوجية !! والأحكام الأخلاقية ظالمة لأن الأخلاق مسألة خاصة وشخصية.. والآراء الأخلاقية تختلف كما هي أنماط الحياة .. وكما هي الأذواق ... فالحديث الأخلاقي مجرد تعبير عن مشاعر شخصية ولا يمكن للمشاعر ان تكون صحيحة او خاطئة .. يجب أن نكون متسامحين وأن نعيش وندع غيرنا يعيش لا بدّ من تعريف الحق والخير وتحديد الأسبقية ... هل الحق يسبق الخير ؟ أم أن الخير يسبق الحق ؟ الاتفاق على تعريف وتحديد الأسبقية قد يسهم في بناء العلاقة بين الدولة والمواطن وأظن أن أسبقية الخير على الحق هو ما يميز دول العالم الثالث عن العالم الغربي الذي يرى أن الحق يسبق الخير .. وبالتالي يقوم بكل هذا الدمار من أجل الحق بالحرية كما يدّعي . تقول الأسطورة الهندية إن الأرض ترتكز على ظهر فيل والذي بدوره يرتكز على ظهر السلحفاة .. والظاهرة المراد تفسيرها هنا : أن الأرض لا تقع في الفضاء.. لتفسير هذه الظاهرة ثم افتراض كينونتين : الفيل والسلحفاة . ولكن السؤال هنا : ما الذي يدعم السلحفاة ؟ ربما يجيب ان السلحفاة ترتكز على سلحفاة أخرى وهكذا الى ما لا نهاية ولكن هذه الرغبة بمضاعفة الكينونات منافية للعقل .. نقف الآن أما الخيار الأول وهو القول إن السلحفاة لا تحتاج لشيء يدعمها , ولكن هذا يستدعي السؤال التالي : لماذا لا ينطبق الشيء نفسه على الفيل ؟ وبالتالي نبسط النظرية طبقاً لمبدأ اقصاء الفكر ؟ وإذا استطعنا فعل هذا فإن الخطوة التالية في استبعاد الفيل أيضاً , والقول : إن الأرض ليست بحاجة الى شيء لدعمها , والتساؤل الحقيقي هل نحن بحاجة الى كينونات فيما وراء العالم لتفسير وجود العالم ؟!