يمكن تحديد الوضع البشري بأنه هو كل ما يحصر الذات الإنسانية ويشكلها في مختلف مستويات وجودها، تلك المستويات التي تتسم بالتداخل والتشابك ما يجعل الوضع البشري وضعا معقدا يصعب إدراك كنهه والنفاذ إلى عمقه. ولعل هذه الصعوبة تكمن في مكوناته التي يتداخل فيها ما هو مرتبط بالذات كذات، وما هو متعلق بالذات في علاقتها بالغير وفي علاقتها بالزمن.
يحيلنا إذن هذا الوضع على الشخص وما يتعلق بهويته، باعتباره ذاتا واعية قادرة على تعقل وإدراك ذاتها ومعرفة خصوصياتها أو كينونتها الخاصة. ومن هنا تطرح مسألة الهوية الشخصية وما تثيره هي الأخرى من أسئلة تتمحور حول أساس هذه الهوية ومحدداتها. وإذا كان الإنسان كائنا واعيا فهذا ما يمنحه قيمة مطلقة بالمقارنة مع باقي الحيوانات. لكن هل فعلا البعد العقلي هو ما يحدد قيمة الشخص أم أنه يستمد قيمته من أبعاد أخرى؟
إضافة إلى هوية الشخص وقيمته، يشرط الوضع الإنساني بسلسلة لا متناهية من الضرورات والحتميات التي لا يستطيع الفكاك منها، لكنه مع ذلك هو الكائن الوحيد القادر على التعالي على وضعه بإشراطاته وإكراهاته المختلفة، واختيار نمط وجوده في هذا العالم باعتباره ذاتا واعية ومفكرة.
كما يجد الإنسان نفسه في وضعه البشري أمام كائنات أخرى تتقاسمه نفس الوجود؛ فالكائن البشري ليس فردا يعيش معزولا عن الآخرين، بل على العكس من ذلك، إنه لا يدرك وجوده هذا إلا بالمشاركة والتعايش والانفتاح على الغير. ويطرح هذا الوجود-هنا- مع-الغير إشكالات عدة على مستويات أنطلوجية وابستيمولوجية وأكسيولوجية.
ففي ما يخص المستوى الأنطلوجي، يمكن أن نتساءل: هل الغير شرط لوجود الأنا وإدراك ذاتها أم أنه تهديد لها؟
وإذا نحن تجاوزنا إشكال الوجود وأثبتنا للغير وجوده، فهل ستتأتى لنا معرفته؟ ألا تشكل ثنائية الذات والموضوع حائلا يحول دون تحقيق تلك المعرفة؟
أما بالنسبة للعلاقة مع الغير، فتتخذ هذه الأخيرة أشكالا متعددة تتراوح بين الصراع والعداوة والإقصاء من جهة وبين التسامح والغيرية والاعتراف المتبادل من جهة أخرى. ويمكننا هنا أن نتساءل عن أسس العلاقة مع الغير وعن أشكالها ومحدداتها.
تساؤلات مركزية:
وبناء على ما سلف، يمكننا أن نتساءل: بأي معنى يمكن توصيف الوضع البشري بكونه وضعا معقدا؟ وما طبيعة الضرورات والحتميات والإكراهات التي يخضع لها؟ وهل بإمقدوره التعالي عليها وتجاوزها؟ وكيف تتفاعل المحددات الذاتية والموضوعية في تشكيل الوضع البشري؟