الموضوع:
« يمكن اختبار علمية نظرية ما بواسطة التجربة، غير أن طريق التجربة لا يقودنا إلى إبداع النظرية.»
أوضح (ي) مضمون القولة وبين (ي) أبعادها.
الخطوات المنهجية:
بالنسبة للمقدمة:
تحديد موضوع القولة (المجزوءة والمفهوم)
إبراز الإشكال (الصريح أو الضمني)
التعبير عن الإشكال من خلال أسئلة مترابطة.
بالنسبة للتحليل:
الأطروحة المتضمنة في القولة.
الوقوف عند الحجاج الذي تفترضه القولة والذي يمكن توظيفه لبنائها.
توظيف المعرفة المكتسبة لمعالجة الإشكال.
بالنسبة للمناقشة:
فتح حوار بين أطروحة القولة وأطروحات أخرى عالجت نفس الإشكال.
طرح إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في القولة.
بالنسبة للتركيب:
استخلاص نتائج التحليل والمناقشة
الإدلاء بالرأي الخاص إن أمكن ذلك.
النموذج المقترح:
يتأسس العلم في صورته المعاصرة على وجود علاقة جدلية ووثيقة بين العقل والتجربة، حيث إنه لا سبيل إلى تقدمه دون الوعي بأن العقل في حاجة إلى التجربة وبأن التجربة لا يمكنها أن تستقل عن العقل، ومرد ذلك أن دراسة الظواهر الطبيعية، تستلزم من جهة أولى التفكير فيها بشكل قبلي، ووضع كل الفروض تحت محك الاختبار من جهة ثانية، بهدف استنباط القوانين المفسرة لها. فما هي طبيعة العلاقة بين العقل والتجربة وأيهما يؤسس للمعرفة العلمية؟ وما هي معايير ومقاييس علمية النظريات العلمية؟ وهل التجربة وحدها كافية كأساس ومعيار وحيد للنظرية العلمية؟
يذهب منطوق القولة إلى التأكيد على فكرتين محوريتين، فمن جهة ترى القولة أن التجربة تشكل معيار اختبار النظرية العلمية وبالتالي معيار صدقها، وتعتبر من جهة أخرى أن التجربة وحدها غير كافية لإنشاء النظرية وإبداع قوانينها. فالتجربة بهذا المعنى هي أساس ومعيار للنظرية لكنها رغم ضرورتها تبقى غير كافية لوحدها سواء كأساس أو كمعيار. فما معنى هذا؟
إن التجربة تحيل في معناها العلمي الخاص إلى إعادة إحداث ظاهرة أو واقعة داخل المختبر وذلك في ضوء جملة شروط وضوابط وباستخدام وسائل وأدوات يحددها العالم للتأكد من صحة الفرضيات التي تم طرحها كتفسير مؤقت للظاهرة كما تمت ملاحظتها. فالتجربة بهذا المعنى هي بمثابة ملاحظة ثانية على حد تعبير كلود برنار، لكنها حسب تعبيرنا تبقى لحظة حاسمة لبلورة القوانين النظرية.
انطلاقا من كل ما سلف، يكون منطلق المعرفة العلمية ومنتهاها هو التجربة. لكن هل يمكن القول إن التجربة تمثل الأساس والمعيار الوحيد للنظرية العلمية؟
تبين لنا القراءة الإبستيمولوجية لتاريخ العلم أن النظرية كانت تابعة للتجربة وأن هذه الأخيرة لعبت دورا حاسما في تأسيس المعرفة العلمية بل وشكلت المحك الحقيقي الذي يتم من خلاله إثبات صحة أو خطأ النظرية وخاصة في علم الأزمنة الحديثة (نيوتن). لكن على خلاف ذلك يقوم العلم المعاصر للقرن العشرين (إنشتاين) على حقيقة مغايرة، فبسبب اكتشاف قارة ”اللامتناهي في الصغر“ (الإلكترون، النيترون، البوزيترون...) تمت الاستعاضة عن المنهج التجريبي الاستقرائي الذي يتعامل مع ظواهر كبرى قابلة للموضعة والتكميم، بالمنهج الأكسيوماتي (الفرضي الاستنباطي) الذي يتناول الواقع الميكروسكوبي، ويقوم على العقل الرياضي لا على التجربة التي أثبتت قصورها في التعامل مع هذا الواقع الجديد. بل أصبحت مرغمة على الخضوع لمقتضيات العقل القبلية. وهكذا فصدق النظرية وصلاحيتها أضحى يتوقف على صدق البرهان العقلي لا على التجربة وحدها كما كان الأمر في العلم الحديث.
وفي هذا الصدد نجد الرياضي والفيزيائي صاحب نظرية النسبية إنشتاين يؤكد أن النظرية الفيزيائية ما هي إلا إبداع عقلي حر ذلك أن العالم ينطلق من فروض عقلية ثم يقوم باستنباط مبادئ وقوانين عقلية منها بواسطة المنهج الأكسيوماتي. وما دام أن طريق إبداع النظرية الفيزيائية يتمثل في العقل الرياضي فالمقياس الأمثل لصحة النظرية ينبغي أن يكون عقليا أيضا وهو الانسجام والتماسك المنطقي للنظرية. لكن في مقابل هذا التصور العقلاني ينخرط بعض التجريبيين في هذا السجال الإبستيمولوجي مثل رايشنباخ الذي يرفض أن يكون العقل قادرا لوحده على إنتاج معرفة بالواقع الفيزيائي. ولذلك فهو ينتقد النزعة العقلانية الرياضية التي تعتقد أن للعقل قوة خاصة به يستطيع بواسطتها اكتشاف قوانين العالم الفيزيائي، ويرى أنها أقرب إلى النزعة الصوفية مادام أن القاسم المشترك بينهما هو استغناؤهما عن الملاحظة التجريبية، وانطلاقهما من رؤية حدسية وفوق حسية في بنائهما للمعرفة.
وبالرغم من أن العلماء قد نجحوا في إيجاد بديل للتجربة والمتمثل في الرياضيات، فإن العلم لم يستطع التخلص من سمته المميزة وهي الحركية والتغير وهو المنطق الذي انبرى بعض الابستيمولوجيين للدفاع عنه على اعتبار أنه ليس عيبا أو نقصا بل هو امتياز يتيح للعلم التقدم والتطور، ومن بينهم كارل بوبر الذي يحدد معيار صحة النظريات العلمية في مدى قابليتها للتكذيب أي قدرتها على تضمن احتمالات تفند بها نفسها وتبين عيبها، وهو معيار ينسجم وطبيعة العلم الذي قدره الحركية والتقدم المستمر لا الثبات والاستقرار.
نستخلص مما تقدم، أن أسس المعرفة العلمية تتمثل في العقل والتجربة معا، فلا التجربة مستقلة عن العقل ولا العقل مكتف بذاته، كما نستنتج أن هناك عدة معايير للتحقق من صدق النظرية العلمية تتراوح بين ما هو تجريبي وما هو عقلي رياضي، ويعود هذا التعدد والاختلاف في المعايير إلى التحولات العميقة والجذرية التي عرفها العلم على مدى مسيرته الطويلة التي طبعها ولا زال الخطأ والتطور والتجاوز.