المحور 2: طبيعة السلطة السياسية
إشكال المحور: ما طبيعة السلطة السياسية؟ ما هي مواصفات حاكم الدولة، هل ينبغي أن يتصف بالقوة والصرامة أم بالاعتدال والرفق؟ وهل تنحصر السلطة في المجال السياسي وفي أجهزة الدولة أم أنها استراتيجيات تحكم وهيمنة وتوجيه منتشرة في المجتمع؟ وهي هي متعالية على المجال الذي تمارس فيه أم أنها محايثة له؟
1- السلطة السياسية تقوم على القوة والصراع وتحتكرها أجهزة الدولة.
1-1- موقف ماكيافيلي: السلطة السياسية تقوم على القوة والمكر والخداع.
يرى ماكيافيلي أن السلطة السياسية ينبغي أن تقوم على القوة والمكر والخداع والتمويه...، فالأمير ينبغي أن يكون أسدا وثعلبا في نفس الوقت. يجعل ماكيافيلي من القوة وسيلة للسيطرة على الناس وعلى الأحداث السياسية الداخلية والخارجية، وذلك لأن الناس ليسوا فضلاء وخيرين بل هم مخادعون وجبناء يلزمهم أن يحكموا بالقوة والخديعة. وبالتالي يمكن للحاكم أن يستخدم كل الوسائل سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، أخلاقية أو غير أخلاقية، مقبولة أو غير مقبولة للوصول إلى السلطة والمحافظة عليها.
1-2- موقف ألتوسير: الدولة تمارس سلطتها السياسية من خلال أجهزتها القمعية والإيديولوجية.
يؤكد الفرنسي ألتوسير أن الدولة تمارس سلطتها عبر نوعين من الأجهزة: أجهزة قمعية توجد في يد الدولة عبر إدارتها وتتضمن الحكومة والجيش والشرطة والسجون...وكل مؤسسات الردع المباشرة. وأجهزة إيديولوجية لا تشرف عليها الدولة بشكل مباشر، تمارس العنف الرمزي، وهي توجد في خدمة الدولة وتدافع عن مصالحها، وتضم: العائلة، المدرسة، الإعلام، النقابة، الكنيسة، الحزب والجمعية الثقافية وغيرها.
2- السلطة السياسية تقوم على الوسطية والاعتدال وتقتسمها الدولة مع أفراد الشعب يمقراطيا.
2-1- موقف ابن خلدون: السلطة السياسية تقوم على الاعتدال والرفق بالرعية.
يذهب ابن خلدون في مقدمته إلى أن نجاح السلطان في تدبير شؤون رعيته رهين بنهج سياسة الوسطية والاعتدال والرفق بالرعية حتى يضمن ولاءها في سائر الظروف والأحوال، ويضمن استمراره في الحكم. لهذا وجب أن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكومين مبنية على الرفق والاعتدال. فالحاكم الذي يلجأ إلى القوة والبطش والسلطة يفسد بذلك أخلاقهم ويعاملونه بالكذب والمكر والخذلان. وإذا كان رفيقا بهم، ولكن دون إفراط لأن ذلك قد ينمي في النفوس الكسل والخمول، فإنهم يطمئنون إليه ويظلون مخلصين ومتشبثين به.
3- السلطة السياسية محايثة للواقع وتقوم على مبدأ فصل السلط.
3-1- موقف مونتسكيو: فصل السلط كمدخل لضمان الحقوق والحريات والعدالة في المجتمع.
في كتابه روح القوانين يؤكد مونتسكيو على ضرورة فصل السلط (السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية) بحيث تتولى كل سلطة منها وظيفة خاصة بها، لتتضافر كلها من أجل ضمان الحقوق والحرية والعدالة في المجتمع لأن احتكار هذه السلط في يد واحدة يؤدي إلى الاستبداد والقمع والعفوية على مستوى تطبيق القوانين.
3-2- موقف ميشيل فوكو: السلطة السياسية محايثة للواقع وتوجد في كل مكان.
في مقابل التصورات الماركسية التي تسجن السلطة في مجموعة من الأجهزة والبنيات، يرى فوكو أن السلطة السياسية ليست متعالية عن المجال الذي تمارس فيه، بل هي محايثة وملازمة له. إنها الاسم الذي يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين تجعل مفعول السلطة يمتد كعلاقات قوة في منحى من مناحي الجسم الاجتماعي. فالسلطة تمارس من لدن الجميع وتتواجد في كل مكان وتحمل في عمقها غاياتها وأهدافها الخاصة.
خلاصة تركيبية:
يتضح من كل ما سبق أن مواقف الفلاسفة وتمثلاتهم حول السلطة السياسية اختلفت من فيلسوف إلى آخر، وذلك راجع إلى المناخ السياسي الذي عاشوا فيه وطبيعة الدولة والمجتمع، فالفيلسوف ابن بيئته يتأثر بها ويؤثر فيها. فهذا ماكيافيلي الحالم بدولة إيطالية موحدة وقوية نجده يدافع عن موقف سياسي يتسم بالبراغماتية الواقعية (الغاية تبرر الوسيلة). وهذا مونتسكيو المنتمي لعصر الأنوار المتغني بفكرة الحرية فيشرط أن تقوم السلطة السياسية على مبدأ فصل السلط والتدبير المشترك والديمقراطي. أما ابن خلدون، فمن خلال تحليله التاريخي للدولة العربية الإسلامية، فيرى أن السلطة السياسية يجب أن تكون مبنية على الاعتدال والرفق.