المعرفة للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المعرفة للجميع

زاد المعرفة ونبراس يضيء كل الدروب المظلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المدرس.. سيزيف هذا العصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

المدرس.. سيزيف هذا العصر Empty
مُساهمةموضوع: المدرس.. سيزيف هذا العصر   المدرس.. سيزيف هذا العصر Emptyالإثنين ديسمبر 23, 2013 4:58 pm

بمناسبة أو بغيرها وعلى نطاق واسع، يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المنظومة التربوية: عن مشاكلها وأزماتها، عن طرائفها ومستجداتها وأخيرا عن مداخل إصلاحها إن بقي في الجسد التربوي رمق من روح أخير لإنعاش جثته المتحللة والعطنة. ومن آخر الطرائف في هذا المجال الحيوي ذلك الجدال البيزنطي الواسع حول لغة التدريس الذي انقسم حوله الناس إلى فريقين، الأول يقترح اللغة الدارجة (لغة الأم) كلغة للتدريس والثاني ينافح بكل ما أوتي من وسائل عن اللغة العربية الفصحى (اللغة المكتوبة). وكأن بهذا النقاش المستفيض الذي أسال مدادا كثيرا وملأ من الصفحات الورقية والإلكترونية الكثير أيضا قد وضع أصبعه على أصل الداء وسر الوباء.
لا يخفى على العديد من المتخصصين أن إشكالية التعليم في المغرب هي إشكالية مركبة يتحايث ويتداخل فيها ما هو سياسي بما هو اجتماعي واقتصادي وأخلاقي وتربوي. بيد أن الخطاب الإعلامي والرأي العام المغربي غالبا ما يختزل المعضلة التعليمية في أحد الأبعاد التالية: إما الموارد البشرية وخاصة المدرسين، أو البنية التحتية واللوجيستية، أو السياسة التعليمية عامة.

وما يشهد على هذه النظرة الأحادية الاختزالية اعتبار المدرس العامل الرئيسي في فشل المشروع التربوي المغربي وكأنه هو من وضع مخططات الإصلاح منذ الاستقلال إلى مطلع الألفية الثالثة، أوكأنه هو من شارك في بلورة الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمخطط الاستعجالي الأخير الذي أقر بفشل كل محاولات الإصلاح السابقة واللاحقة على حد سواء. وعلى غرار نفس تلك الرؤية القاصرة والسطحية، فغالبا ما يشار إلى الأستاذ بالبنان في الأوساط الشعبية بأنه هو المسؤول الأوحد عن مستوى الأبناء وعن كل كوارث المدرسة المغربية، وفي الإعلام الوطني المرئي والمكتوب يتعرض الأستاذ لحملة شعواء ليس لها نظير إذ أصبح رمزا وأيقونة لكل الرذائل والموبقات والفضائح وبطلا من ورق للصفحات الأولى للجرائد المحلية.
لكن تعالوا معي لنقترب من واقع هذا المخلوق الغرائبي الذي شغل الناس وقيل فيه ما قيل نثرا وشعرا ورواية. وفي هذا نجد الدهماء والخاصة وخاصة الخاصة يذهبون فيه مذاهب شتى بين من يعلي من شأوه إلى مرتبة الرسل ومعلمي الناس الخير وبين من ينزله مدارك سفلى فيجله بين المرتزقة والسفسطائيين. فقد قال أمير الشعراء في المعلم أنه كاد أن يكون رسولا لتتناسل اقتباسات البعض الآخر باعتبار المدرس كاد أن يكون "غسولا" أو "رسولا" (مع ضم الراء) أو كما قال لي أحد التلاميذ بعدما هاله أن يرى الأساتذة وهم يتعرضون لوابل من العصي المخزنية بالرباط " كاد المعلم أن يكون بطيخا". لكن أفضل رد على شوقي يبقى ذلك الذي صاغه إبراهيم طوقان الذي قال من بين ما قال:

ويكاد يقلقني الأّمير بقوله كاد المعلم أن يكون رســـــــولا
لو جرّب التعليم شوقي ساعة لقضى الحياة شقاوة وخمولا

علاوة على ذلك نسجل مع طوقان مجموعة من السلبيات والصعوبات التي تتميز بها مهنة التدريس كرتابة الأيام وشقاوة العيش وهزالة الأجر ونضيف إليها ازدراء مجتمع مادي يستخف بأهل المعرفة والثقافة وعدة مشاكل نفسية أخرى مثل الضغط والإرهاق النفسيين والاكتئاب وغير ذلك من المشاكل الصحية.
إن المدرس أضحى في هذا الزمان والمكان بالفعل سيزيف عصره، فالمدرس وسيزيف وجهان لعملة معاناة واحدة وبينهما أكثر من نقطة اشتراك؛ فحياة المدرس مكرورة ومطبوعة بالعبثية وقيمته في المجتمع أضحت اليوم مبتذلة. إن حكايته تتطابق جوهريا مع أسطورة سيزيف التي أوردها هوميروس في ملحمته الخالدة الإلياذة. فسيزيف أو سيسيفوس الذي عرف بمكره بحسب الميثولوجيا الإغريقية، وبسبب إغضاب كبير الآلهة "زيوس" ، عوقب بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود من جديد ليصعد بها إلى القمة وهكذا دواليك، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدي. وهي نفس قصة المعلم مع الأجيال، يعلمها أبجديات المعرفة جيلا بعد جيل، ويكرر نفس الدروس سنة بعد أخرى مع تقييده ببرنامج لا يملك أن يغيره إلا شكليا.

إن نفس العبثية والعذاب الأبدي ينطبقان على المدرس، فأيامه هي نفسها والمحتوى المعرفي الذي يدرسه هو ذاته وأبواب الترقي في وجهه موصودة ومحكوم عليه أن يتعايش مع القروض الصغرى والكبرى وبأن لا يعترف بشهادته الجامعية حتى وإن حصل عليها بمجهود ينضاف إلى واجباته المهنية وحتى إن أراد تغيير الإطار والالتحاق بوزارة غنية يجد نفسه أمام مجموعة من الحواجز البيروقراطية التي تدفعه إلى صرف النظر عن غايته.
إننا بهذه الكيفية المشينة حين نقف أمام إرادة التغيير وتطوير ذات المدرس معرفيا وتبخيس شهادته الجامعية وتيئيسه سنقتل فيه حيويته ونشاطه ورغبته في التجديد والتطلع إلى الأفضل. إننا سنجعل حياته مفتقدة إلى المعنى أو كما قال ألبير كامو بعد تأليفه لرواية أسطورة سيزيف، أن هذا الأخير وهو حسبنا والمدرس شيء واحد يجسد هراء وسخف ولا منطقية ولا عقلانية الحياة الإنسانية. إننا حين نحول بين المدرس والنضال والصراع والكفاح نحو الأعالي والمرتفعات نغتال فيه الإنسان وكل مقومات الذات الإيجابية من طموح وإرادة وعزيمة. الأمر الذي سينعكس طبعا على مستوى أدائه ومردوديته داخل الفصل.

في الأخير، يمكن القول بأن حصر المشكلة التعليمية في المدرس، رغم أننا نؤكد مسؤوليته أيضا في ما آلت إليه الأوضاع، لا يحل المشكلة بقدر ما يخفي حقيقة واحدة وهي أن التعليم بات يشكل عقدتنا الكبرى، وعلينا أن نتحلى بالجرأة للاعتراف بفشلنا الذريع في حل مشاكل مدارسنا وتحقيق القفزة النوعية التي ستتقدم بنا إلى مصاف الدول الناجحة تعليميا. وإذا كان الأستاذ الحلقة الأضعف في منظومة التعليم والسور القصير الذي يقفز عليه المسؤولون والإعلام فقد حان الوقت لنعيد له الاعتبار والكرامة والقداسة التي كان يحظى بها في سالف الأزمان. أما أن نسيء إليه ماديا ومعنويا ونهمشه في مشاريع الإصلاح فهذا ما سيعمق الهوة ويؤزم الوضعية التعليمية والمجتمعية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
 
المدرس.. سيزيف هذا العصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فلسفة العصر الوسيط

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المعرفة للجميع :: الفلسفة والإنسانيات :: قصائدي ومقالاتي-
انتقل الى: