تقديم:
يدل العنف، في تعريفه الأكثر تداولا، على كل سلوك يلحق أذى بالغير؛ سواء كان ذلك الأذى ماديا أو معنويا. ويعرفه لالاند بأنه الاستخدام غير المشروع للقوة، وترى أرندت أن القوة لا تتحول إلى عنف إلا عندما تستخدم كأداة للسيطرة والهيمنة. وهذا ما يجعل العنف البشري يتسم بطابع الغائية والقصدية وهو ما يميزه عن باقي أشكال العنف الطبيعي.
يتخذ العنف أشكالا متنوعة، منها ما هو مادي وملموس (الضرب، الاغتصاب، الحبس، الاغتيال...) ومنها ما هو معنوي أو نفسي (الضغط، الإكراه، الإهانة، التهميش...)، وقد يكون العنف متعينا وبارزا كحالات الاعتداءات المادية على الأشخاص أو الممتلكات، أو الحروب.. وقد يكون خفيا ومقنعا يصعب إدراكه بصورة مباشرة، كالعنف الرمزي الذي تمارسه بعض الأجهزة الأيديولوجية وبعض وسائل الإعلام التي تسخر كل إمكاناتها للتلاعب بالوعي وحشو الأدمغة بما يخدم مصالح فئات أو طبقات أو دولا معينة من أفكار وتصورات وتوجهات. كما يمكن التمييز فيه بين عنف مشروع وآخر غير مشروع.
ومن هنا فالعنف هو مختلف السلوكات المستندة فعليا للقوة أو تهديد بالقوة لأجل إلحاق الضرر بالغير. إنه إذن فعل عدواني (مادي أو رمزي) موجه للآخر فردا أو جماعة، ويكون ظاهرا أو خفيا، وحول مفهوم العنف يمكن إثارة الأسئلة التالية:
ما طبيعة العنف؟ وما هي أشكاله وأنواعه؟ وهل له دور في التاريخ؟ وأخيرا ما مشروعيته كممارسة؟
المحور 1: أشكال العنف
إشكال المحور: ما طبيعة العنف؟ وما هي أشكاله ومظاهره؟
1- العنف الجسدي:
يرى إيف ميشو أنه ليس هناك شكل واحد للعنف في الواقع، حيث إن الصراعات التي عرفها التاريخ قد أكدت أن للعنف مظاهر متعددة، لا تخلو من نية في الإضرار المادي و النفسي. ولعل ما يشهد على تنامي واستفحال العنف في الحياة الاجتماعية والسياسية هو تطوير الإنسان لوسائل وأدوات ممارسته؛ حيث استطاع أن يسخر العلم من أجل صنع أدوات أكثر فتكا وتأثيرا على الخصم، بل تعداها إلى نهج طريقين على مستوى العنف أحدهما مادي وظاهر والآخر بارد، وهو الذي يتم فيه استثمار وسائل الإعلام قصد تخويف العدو وإضعافه، والدليل على ذلك هو أن الكثير من الحروب (الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي) قد أخمدت ولم يكتب لها أن تندلع بسبب قوة الإعلام وتأثيره.
2- العنف الرمزي:
يحدد السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو العنف الرمزي، بأنه عبارة عن عنف لطيف وعذب، وغير محسوس، وغير مرئي بالنسبة لضحاياه إلى درجة أنه يمارس على الفاعل الاجتماعي برضاه وموافقته وتواطئه؛ لأنه، حسب بورديو، يقوم على نوع من الإقناع الصامت والسري ويهدف إلى تكييف ردود فعل المتلقي ليتقبل العنف بتلقائية وسهولة وبدون مقاومة. ومن هنا ففعاليته أحسن قياسا إلى ما يحققه العنف السياسي والبوليسي. وهو النقد الذي وجهه بورديو إلى الماركسية التي اهتمت فقط بالعنف المادي والاقتصادي وأغفلت الحديث عن العنف الرمزي الذي مارس عبر التواصل (اللغة) ووسائل تلقين المعرفة (التربية) وتعتبر الإيديولوجيا والأفكار المتداولة مثاله الأوضح.
3- أصول العنق وبواعثه:
3-1- سيغموند فرويد: الإنسان عدواني بطبعه، ذلك أن رغبته في إشباع لذاته الجنسية تدفعه إلى تعنيف الآخر سواء كان قريبا أو بعيدا.
ينتمي فرويد إلى ما يعرف بنظريات العنف الطبيعي التي اعتبرت الإنسان كائنا عنيفا وعدوانيا بطبعه، ولا يجنح إلى السلم إلا مكرها. وهو يصنف الغرائز البشرية إلى نوعين: غرائز الحياة (الأيروس) وغرائز الموت (التاناتوس). وهذا النوع الثاني من الغرائز هو ما يدفع الإنسان إلى التصرف بعنف وقسوة اتجاه ذاته (المازوشية) واتجاه غيره (السادية)، ويفسر العديد من الظواهر النفسية والاجتماعية. هذا ولا يستبعد فرويد أن يكون العنف صادرا عن دوافع ورغبات دفينة، أو عن عقد نفسية لا شعورية يعود تاريخ تكونها إلى المراحل الأولى من الطفولة.
لولا القيم والثقافة لما وجد هناك ما يحد من عدوانية الإنسان وهمجيته اتجاه أخيه الإنسان. ( الميكانيزمات الدفاعية: الكبت على مستوى اللاشعور، التسامي بالرغبات...)
3-2- إريك فروم: العنف والمقدس
على النقيض من فرويد يرجع فروم العنف إلى عوامل وظروف خارجية، إذ أن الإنسان لا يلجأ إلى العنف لغرض التدمير أو التخريب ولكن بتأثير ظروف خارجية اقتضت من الإنسان اللجوء إلى العنف لتحقيق رغباته وأهدافه ( مثال: الدم كمظهر من مظاهر العنف ارتبط بالطقوس والشعائر الدينية كدليل إخلاص للآلهة)
خلاصة تركيبية:
تؤكد نظرية العنف الطبيعي على أن الإنسان عدواني وعنيف بطبعه. فهوبز قد بين أن العدوانية متأصلة في الإنسان بحكم طبيعته الحيوانية والتي تجعل منه ذئبا لأخيه الإنسان، وأن وجود سلطة تحتكر ممارسة العنف (بشكل مشروع) هو وحده القادر على كبح غرائزه العدوانية، وإقرار السلم والنظام الاجتماعيين. وقد أكد فرويد على نفس الحقيقة معلقا: " من يجرؤ إزاء كل مستخلصات الحياة والتاريخ أن يكذب هذا المثل". لكن رغم وجود هذه الطاقة التدميرية الكامنة في الإنسان فهذا لا يفسر بالضرورة ممارساته العدوانية دون الأخذ في الحسبان الشروط الموضوعية الاجتماعية والتاريخية التي تستفزها وتدفعها إلى الظهور أو أن تغذيها وتقويها.
كما أن العنف يتميز بالقصدية والغائية أي يفترض وجود مسبق لنية وقصد لإلحاق ضرر جسمي مادي أو معنوي نفسي بالغير، فردا كان أو جماعة بشرية. وسواء اعتمد في ذلك قوة عضلية أو تقنية أو على وسائل عقلية ورمزية، وسواء كان العنف واضحا وبينا أو كان خفيا ولطيفا ينطلي حتى على ضحاياه أنفسهم، فالعنف يبقى تدميرا للذات الجماعية وتخريبا للكينونة الفردية وسلب لإرادتها ومس بكرامتها. فكيف يتولد العنف في التاريخ البشري، وهل من إمكانية لتجاوزه؟
المحور 2: العنف في التاريخ
إشكال المحور: أي دور للعنف في التاريخ؟
1- كارل ماركس: العنف كتجل للصراع الطبقي وانعكاس للتناقضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
تعرض الماركسية تفسيرا اجتماعيا واقتصاديا وتاريخيا للعنف برده إلى عوامل انتقال المجتمع الإنساني من المرحلة المشاعية كنمط إنتاج خال من الطبقات والملكية الخاصة إلى مجتمع طبقي متصارع على الملكية ووسائل وقوى الإنتاج؛ بحيث سيصبح القانون المتحكم في تاريخ المجتمعات هو قانون الصراع الطبقي الذي تحركه التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الطبقتين المضطهِدة والمضطهٙدة اللتين دخلتا في حرب دائمة لا تتوقف. فالتناحر بين مصالح الطبقة السائدة ومصالح الطبقة المستغلة يدفعها حتما إلى العنف؛ عنف الأولى من أجل تقوية سيادتها بتوظيف أجهزة الدولة في مقابل عنف الثانية كوسيلة وحيدة من أجل تحررها، مما يفسر انتقال المجتمع من نمط اقتصادي قديم إلى نمط جديد يحمل في جوفه نقيضه الذي سيدخل معه في صراع جديد ينبثق منه نمط اقتصادي آخر. وهذا العنف التاريخي بين الطبقات المتمايزة اقتصاديا وسياسيا هو ما يفسر انتقال المجتمعات من المشاعية البدائية إلى نمط الإنتاج العبودي والإقطاعي فالرأسمالي. ورغم ما مثلته البرجوازية الرأسمالية من تقدم على مستوى نمط الإنتاج ووسائله إلا أنها لم تتمكن من القضاء على التمايزات الطبقية بل أصبحت أكثر حدة وعنفا بخلقها أشكالا جديدة للعنف والاضطهاد وانقسم المجتمع الإنساني في زمن سيادة الرأسمالية البرجوازية إلى معسكرين متعاديين وطبقتين متناقضتين هما البرجوازية والبروليتاريا، ولا يمكن لهذه الأخيرة أن تتخلص من العنف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الممارس عليها إلا بالقضاء على علاقات الإنتاج الرأسمالية وبتحرير المجتمع كله من الملكية الخاصة وبناء المجتمع الاشتراكي ومن ثم المجتمع الشيوعي.
وبذلك يتجسد العنف عبر التاريخ في ثلاثة أشكال أساسية هي الشكل الاقتصادي والشكل السياسي والشكل الأيديولوجي كأشكال تعكس الصراع الطبقي الذي يميز المجتمعات الإنسانية ولا يزال، مما يعني أن الماركسية لا تؤسس العنف على ما هو طبيعي بيولوجي أو نفسي وإنما على ما هو اقتصادي واجتماعي.
لكن إلى أي حد يمكن اختزال العنف في الأسباب الاقتصادية والاجتماعية؟ كيف نفسر امتداده في كل العلاقات حتى بين أفراد الطبقة الاجتماعية الواحدة؟ ألا يمكن الحديث عن جذور ثقافية وأنثربولوجية للعنف؟
2- روني جيرار: العنف متأصل في كينونة وثقافة الإنسان لارتباطه الوثيق بالرغبات الإنسانية.
يؤكد جيرار أن العنف متأصل في كينونة وثقافة الإنسان لارتباطه الوثيق بالرغبات الإنسانية التي يحكمها قانون المحاكاة والسعي للقيام بما يقوم به الآخرون بحيث تتحول رغبات الإنسان لتنصب على ما يرغب فيه الغير فيتحول التنافس إلى صراع شخصي ينمو ويشتد ليصير تطاحنا عنيفا من أجل إثبات الذات وإحكام السيطرة عليه وإخضاعه، والذي لا يقود بالضرورة إلى الاستسلام كما هو الشأن عند الحيوانات (حيث البقاء للأصلح والأقوى) وإنما ينتج العنف الممارس على الآخر: الانتقام، كقضية جماعية، وكعنف يتخذ بعدا جماعيا يستشري لدى الفرد والجماعة التي ينتمي إليها. وعليه "فالعنف الإنساني معد" ينتقل في الجماعة من فرد إلى فرد (أزمة المحاكاة) ويقود إلى المذابح الجماعية والحروب الأهلية وهو ما يضعه علماء المستحاثات البشرية كفرضية أساسية لاختفاء الكثير من المجموعات والقبائل الإنسانية والتي يردونها إلى ممارسة جماعية متبادلة للعنف.
إن هذا التهديد المستمر للحياة وللجنس البشري استدعى وضع آليات لإيقاف دورة العنف والقتل فكان اكتشاف الناس للفدية المضحى بها كموضوع عدو تنصب عليه رغبات القتل الجماعية وكوسيلة لإيقاف الصراعات بين الطوائف، وهو ما عكسته أساطير وثقافات وطقوس الشعوب القديمة والتي يعتبر مثالها الواضح كبش الفداء، وبذلك يتحول الطقس الجماعي إلى احتفال وأمن وسلم وتسامح بين الناس.
3- عبد الله حمودي: نقد نظرية روني جيرار
يقول عبد الله حمودي: "جلي أن النظريات التي تستند إلى فرضية وجود مجتمعات بدائية أو أولية يسودها العنف الدائم كمرحلة أولية تنتقل منها هذه المجتمعات، بواسطة الأضحية، إلى مرحلة ثانية تتسم باستتباب سلم نسبي، ثم إلى مرحلة أرقى تظهر فيها التضحية بالنفس مشخصة في تضحية السيد المسيح، هي مجرد أسطورة، إنها أشبه بأساطير الأولين... وهي النظرية التي وضعها روني جيرار وهي تقوم على أساس تخمينات محضة، وفرضيات فرويدية حول طبيعة إنسانية وحيدة وبيولوجية."
إذ أن نظرية التحليل النفسي ترجع العنف إلى عومل سيكولوجية وآليات نفسية تتجلى فيما تمارسه الأنا من سادية اتجاه الغير أو من مازوشية إزاء الذات. ونشير أيضا إلى أن فرويد في مقالته (لماذا الحرب؟) قد بين أن مصالح الناس هي الأخرى لا يمكن أن تسوى إلا بالعنف وهو ما بدأ بالقوة العضلية لتتطور إلى استعمال الأسلحة ومهارة استعمالها والتحكم فيها، حينها انتهى العنف ليتخذ شكلا رمزيا وعقليا. وهي القاعدة التي تم الاعتماد عليها للانتقال من العنف إلى القانون والحق باتحاد القوى الضعيفة المتعددة المشتتة في قوة واحدة هي قوة اتحاد الجماعة كقوة حق تضمن التعايش وتواجه عنف الفرد المتسلط.
خلاصة تركيبية:
يتضح من خلال ما سبق الأبعاد المتداخلة والمعقدة للعنف وأدواره الحاسمة في التاريخ وتطور الأنماط الإنتاجية الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية وتشابك عوامله الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، البيولوجية والنفسية، وارتباطه بالحق والرغبة في تحقيق العدل ومحاربة الظلم. فهل يسمح لنا كل هذا بالحديث عن مشروعية العنف؟
المحور 3: العنف والمشروعية
إشكال المحور: هل يمكن تبرير العنف وإيجاد مسوغات تضفي عليه الشرعية كالدفاع عن النفس ومقاومة الاضطهاد والعصيان المدني للحفاظ على الأمن العام واستقرار المجتمع؟ هل يمكن تبرير العنف باسم الحق والعدالة والقانون؟ هل في احتكار الدولة للعنف لحق استعماله، عقلنة للعنف بتقنينه وتنظيمه ووضع شروط وآليات استخدامه وتفويضه ونزعه من الاستخدام الذاتي الفردي والجماعي؟ هل استطاعت الديمقراطية السياسية أن تمتص العنف بعد أن عقلنته في المجال السياسي بإخضاعه لقواعد الفعل السياسي؟ ألم يخلق ذلك أشكالا جديدة للعنف تمارس على الذات وعلى الجماعات: الانتحار، شغب الملاعب، الإرهاب، التحرش الجنسي، الاغتصاب، تدمير البيئة والطبيعة واستنزاف مواردها...؟
1- ماكس فيبر: الدولة واحتكار العنف المادي المشروع
يؤكد ماكس فيبر بأن جوهر السلطة هو ممارسة العنف كما تروم إلي الدولة ككيان إداري وقانوني يسعى إلى تنظيم تجمع سياسي ما، لهذا كانت الدولة منذ البدء ذات طبيعة قمعية وعنيفة غايتها الحفاظ على كيانها من خلال وسيلتها المميزة وهي العنف الجسدي. يتفق فيبر على الدولة جهاز مؤسس على العنف (تروتسكي)؛ إذ بدون العنف ستسود حالة من الفوضى في المجتمع بأكمله وستضيع إمكانية الحياة المشتركة وحقوق الأفراد والجماعات، فكانت التجمعات السياسية بمختلف أنواعها عبر التاريخ تلجأ إلى العنف الفيزيائي كوسيلة خاصة في ممارسة السلطة، أي أن العلاقة بين الدولة والعنف هي علاقة حميمية. لكن هذا العنف الذي تحتكره الدولة أي أنها هي التي تملك حق ومشروعية استعماله وتدبيره وتفويضه وتقنينه بقوانين ومساطر إجرائية من أجل تدبير عقلاني ديمقراطي لشؤون المواطنين وللصراعات السياسية حول السلطة وممارسة الحكم.
لكن العنف المشروع المعقلن لا يمكن إلا أن يقترن بدولة الحق والقانون، دونها سيكون استبدادا يمارس الإكراه والتخويف والرعب والتسلط.
2- جاكلين روس: دولة الحق والقانون:
تعمل دول الحق وفقا لجاكلين روس على حماية الحريات الفردية وممارسة معقلنة لسلطة الدولة التي يفترض فيها أن تتشبث بالقانون والحريات العامة في إطار ضمانات الدستور. ومبدأ احترام الشخص هو الصيغة القانونية لحماية الحريات الفردية والتمسك بالكرامة والمواطنة ونبذ قيم العنف والجور وكافة أشكال الإكراه والقوة. وتتميز دولة الحق بعملها على تطوير الحقوق المدنية وجعلها ثقافة مشتركة بين مواطنيها، فدولة الحق هي التي تعمل على خلق وإبداع وابتكار الأساليب والسياسات والثقافات والتنظيمات التي من شأنها تقوية حقوق الإنسان وتفجير كل الطاقات والملكات الإبداعية الكامنة فيه، وفي مقدمة ذلك خضوع الدولة لقواعد سليمة وصريحة متفق عليها ومتعاقد على أسسها فتصبح اقتناعا ثقافيا وواجبا أخلاقيا بضرورة احترام الشخص، حياته، حريته كرامته وضمان حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية مع التأكيد على وجود آليات لحمايتها ولتحقيق المصلحة العامية المشتركة... لذا تفترض سيادة دولة الحق وجود أسس: الحق، القانون، وفصل السلط. ولا نعني بها السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية بل أيضا سلطة الإعلام والصحافة وسلطة المجتمع المدني بكل تنظيماته الحقوقية والنسائية والبيئية... إذ يدفع المجتمع المدني دولة الحق للارتقاء بحقوق الإنسان ونبذ العنف واستعمال القوة بدون حق.
3- غاندي: اللاعنف هو القوة الروحية المناهضة للشر والعنف
يذهب غاندي إلى أن اللاعنف هو القوة الروحية المناهضة للشر والعنف بكل أشكاله فهو يعني : "الغياب التام للإرادة السيئة تجاه كل من يحيا، إنه الإرادة الطيبة تجاه كل من يحيا فهو الحب الكامل والمكتمل" ضدا على العنف كنية عنيفة تكمن وراء الفعل أو الفكر أو الكلام والتي تسعى إلى إحداث الأذى والألم بالغير، وهي السمة التي تهيمن على العلاقات الاجتماعية والإنسانية المعاصرة وكقيم للثقافة الغربية الاستعمارية التي نشرت الحقد والعنف والاستبداد والتحطيم والتخريب والرذيلة. ولذلك، فاللاعنف هو سعي إلى نشر قيم الصداقة والحب. غير أن اللاعنف لا يعني التخلي عن الصراع الحقيقي ضد الشر والحقد بل هو الكفاح والصراع المستميت الفعال المتجاوز لكل حدود القصاص والانتقام. إنه كفاح ضد اللا-أخلاقية والرذيلة بذهنية أخلاقية وروحية لا تواجه المستبد العنيف بوسائله المادية العنيفة بل تفاجئه بمقاومة روحية تفرض عليه الرضوخ وتنتصر على منطق قوته العدوانية الحيوانية. إن العنف لا يمكن إلا أن يكون إلا عنفا وبالتالي فلا إيجابية ولا مشروعية للعنف.
4- إريك فايل: الفلسفة كرفض للعنف
لا يكتسب العنف أي معنى، ولا يمكن تبريره فلسفيا أي عقليا وأخلاقيا. ولذلك فهو يعتبر من منظور الفلسفة ممارسة لا عقلانية ولا مشروعة. إن دور الفلسفة دائما هو إزاحة العنف واستبداله بالخطاب العقلي والمنطقي المتماسك (خطاب الإقناع)، وبذلك فالفلسفة تسعى إلى إحلال السلم واللا-عنف والمعنى بدل العنف واللا-معنى. فمثلا عوض أن نفرض على شخص ما فكرة بالقوة والعنف، لماذا لا نستند إلى سلطة الحقيقة والعقل وإلى قوة الخطاب العقلي المتماسك.
خلاصة تركيبية:
يجب التمييز بين العدوانية كسلوك طبيعي وفطري متأصل في الإنسان ومشترك بينه وبين الحيوان، وبين العنف كسلوك مكتسب ارتبط بالتطور التاريخي والاجتماعي والاقتصادي للإنسان. وقد اتخذ العنف عبر التاريخ، أشكالا ومظاهر عديدة تبعا لمستوى ودرجة تطور الإنسان في كل مرحلة من مراحل تطوره التاريخي الطويل. وللحد من العنف اضطر الناس إلى تنظيم حياتهم الاجتماعية ضمن مؤسسات سياسية أكرهت الأفراد على السلم وعملت على مأسسة العنف وإعطائه مضمونا شرعيا وقانونيا وأخلاقيا، وجعلت كل عنف يمارس خارج هذه الأطر عنفا غير مشروع، بل إن كل عنف لا يمكن تبريره عقليا وأخلاقيا حتى وإن مارسته الدولة يعتبر غير مشروع. إن العنف المبرر هو عنف توجهه غايات أخلاقية تنشد إشاعة الحق والعدالة بين أفراد المجتمع بالتساوي وبدون تمييز. فما الحق والعدالة؟