يتميز الإنسان بالعقل ويتحدد بالوعي وبه تتحدد ماهيته ما دام أنه لا يوجد في الوجود غير الإنسان الذي يتصف بهذه الخاصية الواعية العاقلة. لكن هذا الوعي يسكن الجسد، وهذا ما يطرح الإشكالية التالية: ما علاقة الوعي بالحواس؟
الإشكالية الثانية التي واجهتنا ونحن بصدد مفهوم الإنسان هي العلاقة المعقدة بين الوعي واللاوعي والصراع الموجود بينهما. حيث أصبح لمفهوم اللاشعور مكانة بعد أن غاب في الفلسفات العقلية (ديكارت) والتجريبية (لوك)
كما تطرح إشكالية ثالثة تتعلق بطبيعة الوعي، فكثيرا ما يتمثل الوعي الواقع بشكل خاطئ أو مزيف أو يتوهم أن ما يتمثله هو الحقيقة في حين أنه ينسج شبكات واهية من الأوهام بدل أن يرى الأشياء على حقيقتها وواقعيتها.
إشكال المحور:
1- هل الوعي قادر على إعطاء صورة حقيقية عن حياتنا الواقعية، وعن ذواتنا أم تتدخل الإيديولوجيا والوهم في تشويه الواقع وقلب الحقائق؟
2- وكيف يتمثل الناس مجموع العلاقات التي يُقيمونها مع ذواتهم ومع الآخرين ومع الأشياء؟ هل كما هي في واقعيتها أن بشكل مقلوب يصل إلى حدّ تشويه الواقع، وإنتاج مجموعة من الأوهام؟ وما أسباب قلب الواقع وتشويهه؟
ليس الوعي مُنتجا دائما للحقيقة، بل في كثير من الأحيان يعمل على تشويه وقلب الواقع، وهو ما يصطلح عليه بالإيديولوجيا، التي تصل إلى حد إنتاج الوهم.فما هي الإيديولوجيا؟
1- تتكون كلمة idéologie من شقين:
أ- idéo : وتعنى أفكار.
ب- logie : وتعني علم. ومن ثمة فهي في دلالتها اللغوية:علم الأفكار. ويرجع الفضل للفيلسوف الفرنسي ( دستوت دي تراسي) في نحت هذا المفهوم في القرن 18، بحيث قصد به آنذاك منهجا علميا لدراسة الأفكار والمفاهيم وتكوّنها.
2- لكن اصطلاحا، اتخذ المفهوم عدة معان بحسب مجاله التداولي، وهذا التعدد في الاصطلاح بدأ مع ماركس، كما سنلاحظ لحظة تحليل نص ( بول ريكور ). ويمكن البدء بتعريفين سيسهلان علينا التقرب من عمق مفهوم الأيديولوجيا، الأول للويس ألتوسير :" الإيديولوجيا نسق من التمثلات (صور، أساطير، تصورات حسب الأحوال...) يتمتع، داخل مجتمع ما بدور اجتماعي وتاريخي...إن الناس لا يُعبرون في الإيديولوجيا عن علاقاتهم مع ظروف عيشهم، بل عن الكيفية التي يعيشون بها علاقاتهم مع تلك الظروف.." والثاني للمفكر ( ناصف نصّار ) يقول فيه:" الإيديولوجيا نظام من أفكار اجتماعية ترتبط بمصلحة جماعة معينة، ويشكل أساسا لتحديد وتبرير فاعليتها الاجتماعية في مرحلة تاريخية مُعينة."