أزمة الحداثة
التصنيف : 17 يناير 2012.
بقلم: حميد المصباحي
بعد استقلال المجتمعات العربية، بقي الغرب في التفكير العربي رمزا للإستعمار، ولذلك لم يتم قبول أفكاره إلا بعد صراعات كثيرة، وربما من أجل قبول أفكاره تم الرجوع للفكر السلفي فتمت المصادقة الدينية على ذلك، لكن المنطق الإنتقائي ظل حاضرا، بل فرض حضوره في كل النقاشات التي دارت، وبتجسيد الفكر الماركسي واقعيا باعتباره فكرا غربيا هو الآخر، اكتسب مشروعيته من خلال دعمه للحركات التحررية، فلم يجد المثقف العربي حرجا في تبني هذا الفكر والدفاع عنه، بل ظهرت اجتهادات نظرية حاولت تكييف هذا الفكر مع أوضاعها الخاصة، فانطلق الفكر القومي متبنيا الفكر الإشتراكي، ولازال إلى حدود الآن، بل تشكلت به أنظمة سياسية، لازالت ملامحها حاضرة في المسارين الثقافي والسياسي، كالتجربة الناصرية، والعراقية واليمنية والسورية.
1 من اليسار الماركسي إلى اليسار القومي راكمت الأحزاب العربية الماركسية نضالات سياسية ونقابية، لكنها كانت في أغلبها تعيش حصارا سياسيا، إد عاش مناضلوها اضطهادا كان ينتهي في الغالب بالسجن أو المنفى، بل إن بعضهم استشهد في المعتقلات تحت التعذيب، وقد بقيت في خطابها تستحضر هذا الزمن ليشكل زادها اليومي في الدفاع عن مشروعيتها ونضاليتها التاريخية، لكنها بقيت أسيرة التصورات التي كان الإتحاد السوفياتي يقدمها عن الفكر الإشتراكي، باعتباره المنجز لأول ثورة اشتراكية في العالم، لكن الإشتراكية الديمقراطية في أروبا الغربية اختلفت مع هذه القراءة الأحادية للفكر الماركسي، إذ اختارت منهجا آخر، وهو الوصول إلى السلطة السياسية عن طريق الإنتخابات الديمقراطية الحرة، دون اللجوء إلى العنف الثوري، مستحضرة مقولات اغرامشي حول المجتمع المدني وغيرها من الإجتهادات، التي تراكمت من خلال القراءة النقدية للتجربة السوفياتية، كل هذا سمح للأحزاب الإشتراكية العربية بالتخلص من راديكاليتها، والقبول بالإشتراكية الديمقراطية، مع استحضار البعد القومي العربي، لكن لم يكن هذا المؤثر الوحيد، بل كانت هناك دوافع أخرى، أهمها التحولات التي عرفتها المجتمعات العربية اجتماعيا، إذ عندما قبلت المشاركة السياسية، انضمت إليها شرائح جديدة، تدرك أن نموها الإقتصادي لايمكن أن يتحقق بدون نفود سياسي، تحمي به امتيازاتها وتصونها، وبدلك تأثر الصراع السياسي بطموحات فئوية جسدت أفكارها، ولم تعد الحوافز الإيديولوجية هي المحرك الأساسي لهذا.
الصراع، الذي اتخذ أشكالا مختلفة باختلاف الدول العربية، وهنا أيضا ومع توالي الإنتكاسات السياسية، المتمثلة في فشل الإختيارات التنموية، وفشل الديمقراطية عزفت أغلب الفئات الإجتماعية عن المشاركة السياسية، إذ لم يعد المواطن العربي يولي اهتماما للإنتخابات، من منطلق أنها لاتمثل إلا الصراع بين الكبار، أي التنافس على التحكم في كيفية الإستفادة من ثروة البلد، فلم يبق للأحزاب الإشتراكية العربية من وسيلة للتأثير على الجماهير ما عدا مخاطبة حسها القومي وتجييشها ضد إسرائيل، بعد أن عجزت عن تأطيرها نضاليا ضد أنظمتنا السياسية الساعية إلى التطبيع مع الصهاينة، بل منها يتبادل الخبرات معها، يستعملها كحصان طروادة للتقرب من الولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت قواعدها داخل الوطن العربي.