المعرفة للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المعرفة للجميع

زاد المعرفة ونبراس يضيء كل الدروب المظلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التصوف الفلسفي في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

التصوف الفلسفي في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: التصوف الفلسفي في الإسلام   التصوف الفلسفي في الإسلام Emptyالجمعة مايو 31, 2013 6:39 am

يعرض هذا البحث التصوف الفلسفي من ناحية نشأته والعناصر التي دخلت في تكوينه من خارج نظرياته، وستتم الإشارة خلال هذه الدراسة إلى بعض هذه النظريات إشارة سريعة مجملة.

تتصل نشأة التصوف الفلسفي في الإسلام بنشأة التصوف نفسه من جهة، وبنشأة الزهد غير الفلسفي الذي تقدم التصوفَ. وقد خلط بعض الناس بين التصوف والتصوف الفلسفي من جهة، وبين التصوف والزهد من جهة أخرى، وفهم البعض أنها من المترادفات.

أما الزهد فهو الناحية العملية للطريق الصوفي، أو هو الحياة التي يحياها الصوفي، تلك الحياة البادية في مظهره الخارجي من تقشف في المأكل والمشرب واعتزال للناس وانقطاع إلى الله، ويبدو الزهد في حياة أحدهم الباطنة الروحية من خشية لله وورع وتقوى وعبادة وصوم وصلاة وذكر وتهجد وهجر للدنيا وزخرفها. بينما التصوف فأصدق وصف له أنه طريق لتصفية النفس ومجاهدتها ورياضتها والانتقال بها من حال الى حال ومن مقام إلى مقام، والترقي بها في خطوات بطيئة عسيرة حتى يصل بها صاحبها الى المقام الذي يطلق عليه الوفية اسم "مقام الشهود "أو" الوجد" أو " الفناء"؛ وهو المقام الذي يصل فيه الصوفي حد الإدراك، وفي هذه الحالة لا فرق بين صوفي مسلم وصوفي مسيحي أو يهودي أو بوذي؛ فهو يدرك من الحقائق ما لا سبيل للعقل الإنساني أنه يدركه، ويتذوق من المعاني ما يكلّ اللسان الإنساني عن شرحه.

وأما التصوف الفلسفي فهو الأساس الميتافيزيقى أو النظريات الفلسفية التي يحاول بها الصوفيون في وقت صحوهم تفسير أو تعليل ما يجدونه في وقت سكرتهم أو في حالة وجدهم.

وقد وُجدت هذه الأنواع الثلاثة في الإسلام وظهرت فيه ظهوراً تاريخياً متوالياً بحيث يمكن اعتبار كل منها دوراً من أدوار التصوف يمثل المقدمة المنطقية للدور الذي يليه، فظهر الزهد في القرنين الأولين من الهجرة، وظهر التصوف في القرن الثالث، وظهر التصوف الإسلامي في القرن الرابع وما بعده، ولم يأت القرن السادس والسابع حتى بلغ التصوف الفلسفي أقصى ما يمكن أن يصل إليه من النضج، ثم بدأ يضعف شأنه بعد ذلك بشكل تدريجي. أما الزهد فقد ظهر في الإسلام قوياً فتياً مع بداية ظهور الإسلام تقريباً، وذلك لأن الإسلام دين ورحمة وزهد وتقوى وليس دين دنيا وشهوات ولذات، كما يصفه أعداؤه الذين يحاولون إرجاع نشأة الزهد في الإسلام الى عوامل كلها من خارج الإسلام، ويخصون من بين هذه العوامل المسيحية والرهبنة المسيحية التي كانت منتشرة في صحراء العرب وبلاد الشام ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية. صحيح أنالإسلام لم يدعُ الى الرهبنة، بل هو صريح في إنكارها في القران والحديث، ولكنه دعا الى العبادة والورع والتقوى والتهجد وقيام الليل والصوم والصلاة.

ولم يذكر القران كلمة زهد ولا مادة (زهد) إلا في آية واحدة في سورة يوسف في قوله تعالى " وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين " ولم يذكرها هنا على سبيل المدح ولا بالمعنى المقصود، ولكنه وإن لم يذكر " الزاهد " فقد ذكر العابدين والسائحين والقانتين والمحسنين والركع السجود، وكل هذه الصفات من صفات الزاهدين. وإذا كان الزهد طريقة للتقرب إلى الله ومناجاته وذكره فقد وصف القرآن الله بأنه رحيم، وبأنه ودود، وبأنه قريب من عبده، بل إنه أقرب اليه من حبل الوريد، وبأنه سميع مجيب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.

فلا حجة للقائلين بأن فكرة الحب الإلهي قد دخلت الى الزهد الإسلامي عن طريق المسيحية لأن الإسلام قد قضى على كل أمل في الاتصال الروحي بين العبد وربه بوصفه الله بأنه: جبار متكبر منتقم... الخ

ظهر الزهد في الإسلام بدعوة صريحة إلى مظاهره كما سلف، ودعت إليه ظروف أخرى هي الظروف السياسية القاسية التي عاش فيها المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين وعهد بنى أمية؛ فقد كان هذا عصر حروب وفتن مستمرة وقلاقل واضطرابات، وفيه دخلت النظريات السياسية الى العقائد الدينية، وتدخل الحكام في آراء الناس الدينية ومعتقداتهم، فاضطهدت الحرية وكبت التفكير الحر؛ فشعر من لم يميلوا إلى اعتزال الناس بضرورة العزلة وزهدوا فى الدنيا وزخرفها وفي الحكومة والحكام.

أما الرهبنة المسيحية فقد كان لها أثرها في الزهد الإسلامي لا من حيث أنها كانت السبب في وجوده، بل من حيث إنه تسرب كثير من تقاليد الرهبان المسيحيين وعاداتهم وطقوسهم إلى طريقة المسلمين في الزهد. بل إن القرن الثاني لم يكد ينتهي حتى انتظمت حركة الزهد الإسلامي داخل أديرة وصوامع أشبه بأديرة وصوامع المسيحيين، فأسست خانقاه في دمشق سنة 150ه، وأخرى بخراسان سنة 200.

يقول عبد الرحمن جامي في كتابه نفحات الأنس إن أول خانقاه أسست في الإسلام كانت بالرملة بفلسطين أسسها راهب مسيحي في القرن الثاني، أما المقريزي فيقول في "الخطط" إن الأديرة لم تظهر في الإسلام إلا في الفرن الخامس الهجري، ولعله يقصد بذلك انتشارها الواسع في البلاد الإسلامية لا مجرد وجود بعضها. وقد امتاز الزهد في القرنين الأول والثاني، ولاسيما القرن الثاني، بصدق الورع والتقوى وسلامة الإيمان والخشية الشديدة من الله ومن عذاب جهنم، وبالأمل الشديد في الحظوة برؤية الله في الدار الآخرة، وكثرة المناجاة والكلام في الحب الإلهي.

وقد تغلغل الزهد في القرن الثاني فظهر أعلام من مثل الحسن البصري المتوفى سنة 110ه، وهو المؤسس لفرقة الصوفية بالبصرة، وإبراهيم بن أدهم البلخي المتوفى سنة 161ه، وداود بن نصير المتوفى سنة 165ه، والفضيل بن عياض المتوفى سنة 186ه، ومن النساء رابعة العدوية التي توفيت سنة 135، وكانت رابعة آية من آيات الله في الزهد، زهدت أولاً في الحياة الدنيا وزخرفها طمعاً في الآخرة وجنتها، ثم زهدت في الجنة طمعًا في الفوز بمحبة الله ورضاه. وقد حل الحب الإلهي من قلبها كل محل فأصبحت لا تناجي سوى الله ولا تتحدث إلا إليه، وفي هذا يحكي شهاب الدين السهر ودي في عوارف المعارف أنها كانت تقول:

إني جعلتك في الفؤاد مؤانسي وأبحت جسمي من أراد جلوسي

فالجسم منى للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد جليسي

ويقول القشيري عنها إنها كانت تقول في مناجاتها " إلهي تحرق بالنار قلباً يحبك؟ فهتف بها هاتف: ما كنا نفعل ذلك، فلا تظن بنا ظن السوء.

أما القرن الثالث فدور انتقال من الزهد إلى التصوف بمعناه الحقيقي. والواقع أن هذا الدور كان أقرب إلى الزهد منه إلى التصوف، في هذا القرن نجد كلمة " صوفي " شائعة الاستعمال ولم يكثر استعمالها قبل نهاية القرن الثانى خلافًا لما ذهب إليه القشيري، فلم يفرق الناس بين زاهد وصوفي لأنه لم يوجد من الزهاد من ينطبق عليه وصف صوفي بالمعنى الدقيق. أما في القرن الثالث فحصل التمييز بينهما فسمى الزاهد زاهدًا وسمى الصوفي صوفيًا أحيانًا وعارفًا أحيانًا،

بل إننا نجد في هذا القرن تحولًا في وجهة نظر الزهاد أنفسهم ، فلم يعودوا ينظرون إلى الزهد باعتباره غاية في نفسه ، بل باعتباره وسيلة لتحقيق غاية أخرى هي الكشف؛ أي إنهم اعتبروا الزهد مرحلة من مراحل الطريق بواسطتها يصل السالك أو المريد إلى تصفية النفس والترقي بها في معارج الحياة الروحية إلى أن يصل بها إلى حالة الفناء التي تنكشف له فيها الحقائق الإلهية ، فتنعكس هذه الحقائق على مرآة قلبه، كما تنعكس صور المرئيات على صفحة المرآة الصقلية المجلوة ، وفي هذا القرن أيضاً نجد القوم يكثرون من الكلام في المواجد والأذواق ، ويصفون الأحوال أو المقامات ، ويتكلمون في الصحو والسكر والمحو ، وفي الوحدة والتفريد والتجريد والفناء والبقاء ، وغير ذلك من أحوالهم الصوفية.

يعرّف معروف الكرخي المتوفى سنة 200ه التصوف بأنه: الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الناس، يريد أنه إدراك الحقائق الإلهية بواسطة الكشف والزهد في الدنيا. وهذا تعريف جديد للتصوف لم نسمع به من قبل. وثمة نغمة أخرى جديدة نسمعها من ذي النون المصري الذي كان أول من تكلم في المعرفة الحاصلة بالكشف واعتبرها المقياس الحقيقي لحياة الرجل الصوفي، إذ يقول: إنه بمقدار ما يعرف الصوفي من ربع يكون إنكاره لنفسه. وتمام المعرفة بالله تمام إنكار الذات، وهي الحالة التي عبر عنها غيره بالفناء. وفي هذا المعنى يقول الحسين بن على بن يزدينار: " يكون العارف بمشهد من الحق إذا بدا بدأ الشاهد، وفني الشواهد، وذهب الحواس، واضمحل الإحساس، وهو قول ينسبه بعض الصوفية للشلبي. والنغمة الثالثة نسمعها من أبي يزيد البسطامي المتوفى سنة 261 ه في الحال التي يعبر عنها القوم بالفناء، إذ يقول أبو يزيد، وقد سئل عن العارف أي الصوفي: للخلق أحوال ولا حال للعارف، لأنه مُحِيَت آثاره ورسومه، وفنيت هويته، أى شخصيته، لهوية غيره، وعييت آثاره لآثار غيره، فالعارف خيار والزاهد سيار، وفي هذا إشارة صريحة إلى التفرقة بين الزاهد والعارف أو الصوفي.

كان التصوف الفلسفي، أثناء هذا القرن، في دور التكوين، فقد توفرت عوامل ظهوره، وتهيأت النفوس لقبوله، وظهرت بوادره بالفعل في عبارات بعض رجال الصوفية أمثال ذي النون المصري، وأبي يزيد البسطامي، إلا أنه من المغالاة أن نقول إن لأحد من متصوفة القرن الثالث مذهبًا فلسفًيا خاصًا أو عقيدة فلسفية صوفية معينة، رغم أن كثير من أقوالهم يمكن تأويلها تأويلاً فلسفيًا. وسرعان ما انتهى عصر الانتقال وبدأ التصوف يدخل في دوره الثالث وهو الدور الفلسفي الحقيقي، وكان ذلك في القرن الثالث والرابع ومابعده، فقد تحول التصوف إلى شكل جديد بدخول النظريات الفلسفية فيه، وربما كان أول السابقين إلى هذا الميدان الحسين بن منصور الحلاج المتوفى سنة 309ه.

لم تقف الصوفية بعد القرن الثالث الهجري عند الكشف والشعور بالمواجد والأذواق في أحوالهم الصوفية، بل حاولوا أن يفسروا ما يدركون ويؤولوا ما يشعرون به، ويعللوا ما يتذوقونه من تلك المعاني التي هي فوق طور العقل، فكانت نتيجة شرحهم وتفسيرهم وتعليلهم أن وضعوا نظرياتهم الفلسفية، وعرفوا الكشف في أحوالهم فحاولوا أن يضعوا نظرية للكشف في صحوهم.

أدركوا وحدة الوجود في حالة فنائهم فحاولوا تفسير وحدة الوجود، أدركوا الوحدة في الكشف والتعدد في الصحو فدعاهم ذلك إلى تفسير معنى الوحدة والكثرة، ومعنى الحق والخلق ومعنى الفيض والاتصال، والجمع والتفرقة وغير ذلك، فمجموعة تفسيراتهم لمظاهر الحياة الصوفية هي ما نعنيه بفلسفتهم التي يمكننا أن نلخصها في ثلاث نظريات؛ نظريتهم في طبيعة الوجود، ونظريتهم في المعرفة، ونظريتهم في الإنسان ومركزه في العالم وموقفه من الله.

على أن من الصوفية، من رجال العصر المتأخر أمثال محيي الدين بن عدي وشهاب الدين عمر السهرودى المقتول ، من سلك مسلك الفلاسفة من بادئ الأمر ، فكانت لهم وجهات نظر فلسفية خاصة في طبيعة الوجود وفي الإنسان والعالم ، فاستعملوا المنهج النظري الفلسفي وأساليب الفلاسفة واصطلاحاتهم واستدلالاتهم ، ثم نظروا إلى التصوف باعتباره مرحلة متممة لطريقتهم، والفرق بين هذا النوع من الصوفية والنوع الأول أن الأوائل أمثال الحلاج يضعون نظرياتهم الفلسفية في عرض تأويلهم وتفسيرهم لما يشاهدونه في أحوالهم ومواجدهم ، أما اللاحقون فيلجؤون للكشف والذوق توكيدًا وتحقيقًا للنتائج التي يصلون إليها بالنظر العقلي.

وهذه الطريقة ممثلة تمام التمثيل في كتب ابن عربي بوجه خاص لأنه بعد أن يبحث المسائل الفلسفية بحثاً عميقاً ويناقشها من جميع وجوهها يحس كأن العقل غير كافٍ للوصول إلى درجة اليقين فيها، فيحيل القارئ إلى الكشف والذوق، أو يخبره بأنه هو نفسه قد أدرك حقيقتها كشفًا أو ذوقاً.

سار التصوف الفلسفي بعد ذلك سيراً حثيثاً بخطوات واسعة فسيحة وظهرت فيه المذاهب الفلسفية الكاملة، بل والمدارس الفلسفية، وأُلّفت فيه المؤلفات من مثل الحياة والمشكاة للغزالي، والنصوص والفتوحات لابن العربي، وحكمة الإشراق للسهرودى، والإنسان الكامل لعبد الكريم الجبلي.

أما العوامل التي ساعدت على ظهور التصوف الفلسفي فكثيرة ومتعددة ، فقد كانت البيئة التي يعيش فيها متصوفة القرن الثالث وما بعده مزيجًا غريًبا من الأمم والثقافات والديانات والفلسفات المختلفة ، بل كان الجو الذى يتنفس فيه المسلمون خليطًا من هذه العناصر كلها ، فلا عجب إذن أن يأتي التصوف الفلسفي في الإسلام ممثلاً لكل مذهب من المذاهب ، حاويًا لكل بدعة إسلامية وغير إسلامية ، ففلسفة التصوف الإسلامي ليست مذهبًا واحدًا ولا عقيدة واحدة ، بل مجموعة من المذاهب بعضها يتفق مع روح الإسلام وبعضها يتعارض مع التعاليم الإسلامية معارضة صريحة . وأهم هذه العناصر التي دخلت في التصوف الفلسفي:

أولا: التصوف نفسه بكل ما فيه من وصف للحياة الزوجية، وكلام في المقامات والأحوال، وذكر للمواجد والأذواق، وتعبيرات عن خاطر النفس ومحاسبتها ومراقبتها.

ثانياً: القرآن والحديث : فقد أتخذ الصوفية كثيًرا من الآيات القرآنية أساسًا لنظرياتهم فأوّلوها تأويلات تتفق وروح هذه النظريات ، وذلك من مثل قوله تعالى :" كل شيء هالك إلا وجهه"، وقوله :" كل من عليها فان" ، وقوله : "الله نور السموات والأرض" ... الخ ، فقد أوّلوا الوجه في الآيتين الأولى والثانية على أنه الذات الإلهية الأزلية المقومة لكل موجود ، وأولوا الهالك والفاني على أنه مظاهر الوجود أو الوجود المتكثر، أما النور ففسروه تفسيراً زرادشتيا على أنه الوجود الحقيقى وضده الظلمة التى هى العدم المحض ، أما الأحاديث التى يستشهد به الصوفية فأكثرها مدخول على النبى الكريم صلى الله عليه وسلم و منتحل.

ثالثاً: على الكلام : فقد وصل علم الكلام فترة ظهور التصوف الفلسفي في الإسلام أقصى حده في النضج الفلسفي

، وتسرب كثير من نظرياته إلى نظريات الصوفية ، والمعروف أن عدداً كبيراً من رجال الصوفية في القرن الثالث كانوا من كبار المتكلمين كذلك أمثال أبى القاسم الجنيدى والحارث المحاسبى وغيرهما . والناظر في كتب التصوف من مثل ؛ اللمع السراج، والتعرف للكلا باذى ، والرسالة القشيري، وغيرها، ومعروف مدى اتصال علم الصوفية بمسائل الكلام ومدى امتزاجها بنظرياتهم ، وتكفي الإشارة هنا إلى عقيدة وحدة الوجود التي هي أخص مظهر للتصوف الفلسفي الإسلامي ، فإنها، فيما اعتقد، راجعة في أصل نشأتها إلى تفكير إسلامي كلامي صوفي ، وليست كما يقول بعض المستشرقين راجعة إلى الفلسفة الأفلاطونية الجديدة أو إلى الفلسفة الهندية ، فقد بدأ الصوفية يبحثون في عقيدة التوحيد بحثاً كلاميًا فوقعوا ، من حيث لا يعلمون، في عقيدة وحدة الوجود . بدأوا ببحث الوحدانية فقالوا: الله واحد بمعنى أنه لا شريك له، فنفوا الشريك والند والضد والمثل، وقالوا أهم صفة للإله الواحد وجوب الوجود. ثم بحثوا في واجب الوجود فقالوا الله واجب أي وجوده من غيره، ولكنهم زادوا على ذلك بقولهم إنه واجب الوجود بمعنى أن وجوده هو الوجود الحقيقي وكل ما عداه فوجوده ظاهري أو وهمى. ثم توسعوا في معنى وجوب الوجود فقالوا إن واجب الوجود هو الفاعل كل شيء والعلة في وجود كل شيء فانتهوا من بحثهم بنتيجتين:

الأولى: نفي العلل كلها والقول بأن لا فاعل على الحقيقة إلا الله

والثانية: نفي الوجود المتكثر الظاهر في الكون والقول بأنه وجود زائل متغير، وأن المقوم لكل موجود والحقيقي في كل موجود هو الحق أو الله.

وهكذا بدأوا بقولهم: لا إله إلا الله، وانتهوا بقولهم: لا موجود على الحقيقة إلا الله. ثم وجدوا، أو خيل إليهم أنهم وجدوا، ما يعزز دعواهم هذه في الحالة الصوفية التي يعبرون عنها بالفناء، وهي الحالة التي يشعر فيها الصوفي بالوحدة المطلقة فلا يدرك فيها فرقًا بين حق وخلق، وهي الحالة التي صاح فيها الحلاج بقوله: أنا الحق!

وقد سمى الصوفية عقيدة التوحيد بتوحيد العوام ، وعقيدة وحدة الوحدة بتوحيد الخواص ، وأوردوا لكل منهما تعريفًا خاصًا ، يقول الجنيد في تعريف توحيد العوام إنه إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته ، ويقول في تعريف الخواص إنه الخروج من ضيق الرسوم الزمانية إلى سعة السرمدية يعنى بذلك الفناء.

رابعًا: الفلسفة الأفلاطونية الجديدة، ولاسيما الأفلاطونية الجديدة المتأخرة التى ظهرت في كاتبات برفلس ويبملبخوس والكاتب الأفلاطونى المسمى خطأً ديوتسبوس الأزبوباغنى . ولا نبالغ إذا قلنا إنه لا تكاد مسألة من مسائل التصوف الإسلامى الفلسفي أو نظرية من نظرياته تخلو من أثر الفلسفة الأفلاطونية الجديدة؛ فنظريات الصوفية في خلق العالم والفيض أو الصدور عن الواحد الحق، وكلامهم في النفس والعقل والقلب والكشف والمعرفة والشهود، وفي العالم العلوي والعالم المحسوس وفي الإنسان الكامل، كلها مطبوعة بطابع هذه الفلسفة ومستند إليها.

خامساً: المسيحية ولا نعني بالمسيحية الديانة المسيحية وعقائدها ، بل الحياة المسيحية كما حييها المسيحيون في البلاد التى انتشر فيها الإسلام ممثلة في حياة الرهبان والمتصوفين ، ولم يأخذ الصوفية عن المسيحين بعض أساليبهم في الزهد ومظاهر التقشف ولباس الصوف الذى منه اشتق اسمهم فحسب ، بل أخذوا عنهم بعض نظرياتهم في طبيعة المسيح وفي التثليث : فقال بعضهم بالحلول ، مثل الحسين بن منصور الحلاج الذى قتل بسب هذه العقيدة سنة 309 ومن أبياته في الحلول قوله :

سبحان من أظهر ناسوته سر سناً لاهوته الثاقب

ثم بدا لخلقه ظاهراً في صورة الأكل والشارب

حتى لقد عاينه خلقه كلحظة الحاجب بالحاجب

وقال بعضهم صراحة بالتثليث، وأن التثليث أساس يقوم عليه أمر الخلق كله، ولكنه تثليث اعتبارى قائم بالفردية الإلهية، وبهذا المعنى يجهر ابن عربى في غير مبالاة في قوله:

تثليث محبي وقد كان واحدا كما صير الأقنام بالذات أقنما

وليست نظرية الصوفية فيما يسمونه النور المحمدي، أو الحقيقة المحمدية، الذي يقولون إنه كان في القدم قبل أنه يخلق الله العالم، وأنه بواسطته ومن أجله خلق الله العالم، ليست سوى صورة من صور النظرية المسيحية في المسيح الذي يطلقون عليه اسم " الكلمة " ويقولون إنها كانت في الأول مع الله، وأنه بواسطتها ومن أجلها خلق الله العالم.

سادساً: الفلسفة الهندية التي دخلت الإسلام عن طريق فارس وماوراء النهرين وما جاورهما من حدود الهند، فالمسلمون لم يفتحوا الهند إلا في القرن الرابع الهجري زمن السلطان محمود الغزنوي المتوفى سنة 421ه، ولكن الفلسفة الهندية البوذية والتصوف قد شقا طريقهما إلى بلاد الفرس وما جاورها قبل الفتح الإسلامي بنحو ألف سنة، وقد كان كثير من بلاد هذه الناحية مراكز مشهورة بالتصوف خاصة بالإدارة الوثنية القديمة وخاصة مدينة بلخ.

وجدير بالذكر في هذا المقام أن كثيرًا من أوائل الصوفية في الإسلام قد جاءوا من بلخ هذه وما جاورها، وبواسطتهم دخل في التصوف الإسلامي كثير من النظريات الهندية والتقاليد البوذية في مجاهدة النفس ورياضتها وتعذيب البدن وما إلى ذلك. ومن هؤلاء إبراهيم بن أدهم الذي يقول عنه الأستاذ جولدزيهر إن قصته قد حكيت على مثال قصة بوذا، فقد كان من بيت من بيوت الملك فزهد في الملك والدنيا بأسرها وعاش من عمل يده، ومثل أبي يزيد البسطامي الذي كان من أصل فارسي زرادشتي تلقى عقيدة الفناء عن أبي علي السندي، كما تلقى عنه الطريقة الهندية المعروفة بمراقبة الأنفاس؟ والفناء الذي يتكلم عنه أبو يزيد والذي شاع بعده في كلام الصوفية جميهم هو ما يسميه الهنود " زفانا" أي انمحاء الشخصية الفردية والشعور بالوحدة العامة للوجود. ومما يدل على أن عقيدة الفناء هندية الأصل أنها ظهرت أول ما ظهرت في كلام الصوفية من الفرس أمثال أبي يزيد البسطامي، وليس لها وجود في عبارات أهل مصر والشام أمثال ذي النون المصري على الرغم من أن ذا النون كان من معاصري أبي يزيد.



كل هذه العناصر وعناصر أخرى ثانوية دخلت التصوف الإسلامي فغيرت من عادته وصورته، وعنها جميعها ظهرت ناحية من نواحي الحياة العقلية الروحية في الإسلام على جانب كبير من الأهمية، لأنها مرآة نرى فيها النشاط العقلي والروحي على السواء كما نرى فيها وصفًا دقيقًا لأحوال النفس الصوفية في أرقى درجات صفاتها، ومحاولات فلسفية أراد بها أصحابها وضع نظريات في طبيعة الوجود أو طبيعة المعرفة أو طبيعة الإنسان ومركزه من الله والعالم. ولم يقف الصوفية ، كما لم يقف بقية فلاسفة الإسلام، من هذه المصادر كلها موقفًا سلبيًا ، أي لم يكونوا مجرد نقلة أو مرددين لأقول غيرهم ترديد الصدى للصوت ، بل مزجوا كل هذه العناصر المختلفة المتباينة مزجًا ربما لم يعهده تاريخ الفلسفة ولا تاريخ التصوف في أي أمة أخرى ، وخرجوا بعد كل ذلك بمذاهب في التصوف الفلسفي كان لها أثرها ولها خطرها في تطور الفلسفة والتصوف في القرون الوسطى والحديثة ، لاسيما بعد أن بلغ التصوف الذروة الفلسفية في مذاهب بعض المتصوفة من أمثال محيي الدين بن عربي ، وشهاب الدين عمر السهرودي المقتول ، وعبد الحق بن سبعين الأندلسي ، وعبد الكريم الجبلي ، والصدر القونوي ، وجلال الدين الرومي ، وعبد الرحمن جامي وغيرهم .

من هذا يتبين أن كل نظرية في نشأة التصوف الإسلامي ثابتة على فكرة إرجاعه إلى أصل واحد مقضي عليها بالفشل، إذا رأيت النواحي العديدة الإسلامية وغير الإسلامية التي استند منها التصوف مادته.

ولكن بعض المستشرقين إن لم يكن أكثرهم لم يروا في القول بأن التصوف الإسلامي قائم على أصل واحد أو مستند من جهة واحده ؛ فذهب الأستاذ فون كريمر ودوزى إلى أن أصل التصوف الإسلامي هندي أساسه مذهب الغيداتنا ، وذهب الأستاذ مركس ، إلى أن أصله الفلسفة الأفلاطونية الجديدة ، وقال الأستاذ يرون إنه فارسي في جوهره وإنه نتيجة لرد فعل أحدثه ثوران العقل الأدمي ضد الدين الإسلامي الفاتح ، وربما كان الأستاذ نيكسلون أكثر اعتدالاً وأوسع نظراً من هؤلاء جميعًا، إذ يعترف أن التصوف الإسلامي ظاهرة معقدة غاية في التعقيد ، وأن أصوله متشعبة كثيرة لم يكشف البحث الحديث إلا عن بعضها .

والحق أن كل نظرية من هذه النظريات إنما تعبر عن جزء من الحقيقة لا الحقيقة برمتها، وأن الذي دعا هؤلاء المستشرقين إليها قصر نظرهم على ناحية خاصة من التصوف دون النواحي الأخرى، وملاحظتهم لبعض جهات الشبه بين التصوف الإسلامي والأحول التي قالوا إنه مستمَد منها، ناسين أو متناسين الثقافة الإسلامية والعقلية التي هضمت كل ما وصل إليها من عناصر الفلسفة والتصوف الأخرى، واستخلصت لنفسها فلسفة وتصوفًا جديرين بالبقاء وجديرين بأن يطلق عليهما اسم الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
 
التصوف الفلسفي في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإسلام والسياسة (دور الحركة الإسلامية في صوغ المجال السياسي) - عبد الإله بلقزيز
» من المعجم الفلسفي
» منهجية السؤال الفلسفي
» منهجية الإنشاء الفلسفي بين الموهبة والاكتساب
» منهجية النص الفلسفي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المعرفة للجميع :: الفلسفة والإنسانيات :: فضاء الفلسفة بالثانوي :: مقالات فكرية-
انتقل الى: