سارتر والحرية
حسين درويش
«لست مرتاحاً سوى في حريتي»، «نحن محكومون بالحرية»، «العالم مرآة حريتي»، عبارات مشهودة أطلقها جان بول سارتر الذي لُقب بفيلسوف القرن العشرين في منتصف القرن الماضي، عندما كان يقف ضد منتهكي حقوق الانسان، ناظراً إلى الغرب تلك النظرة التي وصمت الستينات، غرب رأسمالي انتهازي (رغم أنه لم يكن شيوعياً) لقد كان مفكراً وجودياً حراً رفض جائزة نوبل عام 1964.
ولد سارتر عام 1905 في باريس وسط عائلة بورجوازية ومنفتحة وليبرالية، ونشأ على يد والدته، وواجه منذ مراهقته طبقته الاجتماعية، باحثا على الدوام عن تحرير الضمير الفردي، او ما سماه «ما فوق الأنا»، وتميز بقامته القصيرة وخجله وصوته المنبعث من أنفه.
وكان عاطفيا وساحرا وأحيانا تحريضيا، وربطته علاقة وطيدة بالكاتبة سيمون دو بوفوار صاحبة كتاب «الجنس الثاني»، وإحدى اهم المناضلات لتحرير المرأة، لكن علاقتهما لم تتخذ طابعا رسميا.
تجاوز تأثيره في الستينات والسبعينات نخبته الفكرية الى الشباب، وعاش قطيعة مع ألبير كامو، وناضل ضد حرب فيتنام، وانضم الى الحركة اليسارية في احداث مايو 1968 وقصد مصانع «رينو» لمحاورة عمالها المضربين ساعيا الى تعريف جديد لدور المفكر، فسخر منه اليمين الذي كان يكرهه.
ولم يتركه اليسار المحافظ من انتقاده، لكنه كان عنواناً عريضاً لمرحلة العالم بعد الحرب العالمية الثانية، مرحلة بحاجة إلى مفكرين وفلاسفة وفنانين ومبدعين من كل حقل؛ لأنهم شبعوا من هتلر وأمثاله.
حين قدم سارتر روايته «ميلنكوليا» او «كآبة» لنشرها في درا غاليمار الفرنسية الشهيرة رفضتها الدار، لكن بعد حين تم نشرها بعنوان «الغثيان»، وتلاها كتاب «الجدار» عام 1939.
في هذه المرحلة، تعرض للسجن ثم التحق بالخدمة الالزامية خلال الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1944 بدأ بإصدار مجلة «الأزمنة الحديثة»، ثم قدم مجموعة مسرحيات كشفت عن عمق فلسفته الوجودية: «العاهرة المحترمة»، و«الأيدي القذرة»، و«الشيطان والإله الطيب».
وكانت هناك دائما سيمون دو بوفوار، التي لم تكن علاقته بها كسائر العلاقات العاطفية الشهيرة في العاصمة الفرنسية؛ لأنها تميزت بأسلوب مختلف في نظريات الحب والصداقة والزواج والارتباط، كانا معا وللأبد من دون ان يعيشا سوية.
عندما رحل جان بول سارتر في 15 ابريل 1980 تصدرت صورته غلاف صحف ومجلات العالم، فقد ترك جرحاً عميقاً في فلسفة القرن العشرين، القرن الذي أعطى نصفه الثاني للفكر والفلسفة والمدارس الفنية التي بات حضورها اليوم ضبابياً، حضوراً معبراً عن مرحلة اللافكر واللامعنى، وكأن الحياة أغلقت الأبواب دون عظماء الثقافة وفتحتها لقادة الحروب والطغاة والجهلة.