نص القولة:
” الغير هو الوسيط الذي لا غنى عنه بين الأنا وذاته“
اشرح مضمون القولة.
1- مستوى الفهم: أي عناصر المقدمة
1-1- تأطير القولة:
أ- المجال العام: الوضع البشري
ب- المجال الخاص: الغير
ج- إشكال القولة: هل يعتبر الغير ضروريا بالنسبة للأنا؟
د- أطروحة القولة: الغير ضروري بالنسبة للأنا لكي تدرك وتعي ذاتها. (وضعت الأطروحة في هذا المستوى فقط لكي يستعين بها التلميذ لأشكلة القولة)
2- مستوى التحليل:
1-2- الأطروحة وعلاقتها بمفاهيمها:
الغير ضروري بالنسبة للأنا لكي تدرك وتعي ذاتها.
الغير: هو الأنا الذي ليس أنا أي تلك الذات الإنسانية الشبيهة والمخالفة في نفس الآن.
الأنا:هو جوهر الذات، وهي الذات الواعية والمتكلمة والمتحكمة في ذاتها (أفكارا وأفعالا). الأنا عند ديكارت هو جوهر ماهيته أو طبيعته التفكير وهو جوهر نفسي متميز عن الجسد.
الذات: حقيقة الشيء وماهيته (أرسطو). وفي ق17 أصبحت تطلق على الشخص الإنساني باعتباره ذات عارفة تتمتع بالإرادة والوعي، في مقابل الموضوع الذي يوجه إليه النشاط المعرفي.
يتبين إذن أنه لكي تتعرف الأنا على هويتها وتدرك ذاتها فلا بد من توسط الغير، ومن ثم فالغير ضروري بالنسبة للأنا. وما يؤكد هذه الضرورة هو مثال الأطفال المتوحشين الذين وجدوا أنفسهم بعيدا عن المجتمع فلم يدركوا حقيقتهم كبشر. كما أن الإنسان حيوان اجتماعي لا يستطيع أن يحيا بمفرده وذلك لتلبية مختلف حاجاته الطبيعية وهذا ما يؤكد حتمية الحياة المشتركة مع الغير.
2-2- شرح المضمون المعرفي للقولة واستثمار المكتسبات:
إن اكتشاف حقيقة ذاتي مرتبطة بحضور الغير؛ ولعل هذا ما يلخصه موقف الفيلسوف الفرنسي سارتر الذي يؤكد أن وجود الغير ضروري لوجود الأنا، بل لمعرفتها بنفسها، ما دام الغير هو الوسيط الضروري الذي تثبت من خلاله الذات وجودها في العالم وتعي ذاتها، لأن حرية الذات رهينة بوجود الغير الذي يحاول تشييئها واستلابها من خلال نظرته إليها. ومن ثم، فالحرية ليست معطاة، بل تكتسبها الذات عبر تعاليها على وضعية العبودية التي يفرضها وجود الغير.
ويقدم سارتر مثال نظرة الغير إلى الأنا التي تجعل هذا الأخير يفقد حريته وتلقائيته، ويقول في هذا السياق: "الجحيم هم الآخرون".
نخلص من تحليل هذه القولة إلى أن حضور الغير في حياة الأنا ضروري وأن الأنا في حاجة ماسة إلى الغير لكي تدرك نفسها إدراكا كاملا. فإلى أي حد يمكن الاتفاق مع هذا الطرح الفلسفي؟
3- مستوى المناقشة:
إن هذا التصور يستبعد الأطروحة الديكارتية التي تعتبر أن الكوجيطو يسمح بإدراك للذات والوعي بها في استقلال عن الغير، وأن وجود الغير غير ضروري واحتمالي. أي أن فعل الوعي الذي هو فعل داخلي ومكتف بذاته يجعل الأنا سجينة عالمها الداخلي، كما يجعلها غير قادرة على إثبات وجود الغير كأنا آخر إلا عن طريق الاستدلال بالمماثلة، أي طريق الافتراض بأنه ذات مثله مثل الأنا انطلاقا من الصفات والخصائص الخارجية التي تتشابه بينهما.
من جهة أخرى، يرى هايدغر أن وجود الغير تهديد للذات ونفي لها ما دام الوجود مع الغير في الحياة اليومية المشتركة يفرغ الذات ويفقدها خصوصيتها وتميزها، ومن ثم يفقد الشخص هويته ووجوده الأصلي لأن "الموجود" أي وجود الإنسان بما هو إنسان يوجد تحت رحمة الغير، وليس له وجود مستقل، باعتباره شبيها ومماثلا لجميع الناس وكأنه لا أحد. فالوجود مع الآخرين من الناس يدل على الاختفاء وذوبان الفرد في حياة الجماعة.
4- مستوى التركيب:
مما تقدم يمكن أن نخلص إلى أن مسألة "وجود الغير" شكلت إشكالية فلسفية في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر نتجت عنها أطروحات وتصورات فلسفية متناقضة. فوجود الغير قد يشكل نفيا للذات وإثباتا لها في نفس الآن، ما دام يتسبب في توليد الخجل بالنسبة للذات، ويحد من حريتها وتلقائيتها، وفي نفس الوقت هو شرط وجود الأنا، ما دام يمكن هذا الأخير من إثبات ذاته وتحقيق وجوده. فإذا كان الغير موجودا، فهل يمكن معرفته؟ وما السبيل إلى هذه المعرفة؟ وكيف تتم وبأي طرق؟
الأحد ديسمبر 09, 2012 5:53 pm
