المعرفة للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المعرفة للجميع

زاد المعرفة ونبراس يضيء كل الدروب المظلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هل يمكن تصور دولة دون عنف؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

هل يمكن تصور دولة دون عنف؟ Empty
مُساهمةموضوع: هل يمكن تصور دولة دون عنف؟   هل يمكن تصور دولة دون عنف؟ Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2011 7:30 am

السؤال:

هل يمكن تصور دولة دون عنف ؟


إجابة التلميذة:

يحاول الإنسان على مر العصور تنظيم حياته وجعلها أكثر أمنا وسلاما عكس الحياة الطبيعية العنيفة التي كان يعيشها، فتوصل إلى تأسيس الدولة التي تعتبر كيانا واحدا يخضع له الكل، بهدف تحقيق الاستقرار والراحة للأفراد المنتمين إلى الدولة. لكن الإنسان يعد ميالا للعنف والعدوان، فهو لم يتغير عن حالة الطبيعة مطلقا فلا يزال يتصارع لتحقيق رغباته مع كل من يقف في طريقه، وهنا يأتي دور الدولة كي تفك النزاع وتقف كحكم بين المتصارعين أفرادا كانوا أو جماعات، فتلجأ هي الأخرى إلى استعمال قوتها والعنف لتحقيق هدفها.
ترى ما علاقة الدولة بالعنف ؟ هل العنف وسيلة مبررة ومشروعة للدولة ؟ ألا يمكن أن تتعدى الدولة حدود هذا العنف وتخرج عن نطاق أهدافها ؟ وما هي حدود هذا العنف المشروع ؟ ألا يمكننا استبعاد العنف المحتكر من طرف الدولة والبحث عن وسيلة أنجع لفك النزاعات بين الأفراد ؟

عندما نتكلم عن إمكانية تصور دولة دون عنف يجعلنا هذا نحمل فكرة مسبقة عن كون الدولة تحمل في ثناياها العنف، أي أنها تعتمد على العنف من أجل غايات في ذاتها. لذا فنحن نحاول معرفة فيما إذا كان من الممكن تخيل دولة دون عنف والتحدث عن خصائصها ومميزاتها ومقارنتها مع الدولة الحالية الواقعية.
إن السؤال هنا يضعنا أمام موقف يحتم علينا استخدام خيالنا لتصور دولة خالية من كل أشكال العنف. فإمكانية وجود دولة دون عنف تبقى محدودة حسب مقدرة الشخص على تصور ذلك، لأن الدولة والعنف يبدوان كمفهومين متلازمين، وهل من الممكن الفصل بينهما ؟

إن الدولة كما تم تعريفها هي ذلك التنظيم السياسي المستقل الذي وضعه الإنسان نفسه كي يحكمه وينظم حياته ويحقق الأمن والسلام داخل المجتمعات، للخروج من حياة الطبيعة التي عاشها الإنسان القديم من صراعات وتعنيف وظلم كما تخيلها الفلاسفة.
ويرى اسبينوزا أن الغاية الحقيقية من تأسيس الدولة هو ضمان الحقوق الطبيعية للأفراد ومنحهم الحرية والأمن والاستقرار، وتجنيبهم الحقد والكراهية والصراع وكل ما يحكم قوانين الطبيعة.
لكن إذا كان الهدف من الدولة هو نبذ الحياة البدائية العنيفة التي عاشها الإنسان قديما، فماذا نقول عن العنف والظلم السائدين في حياتنا اليوم ؟ هل تعد الدولة مسؤولة عنه لأنها لم تحقق الغاية من وجودها؟
في مناقشتنا لمحور ” الدولة بين الحق والعنف ” أثناء حصة الفلسفة دخلت في نقاش مع الأستاذ حول تعريف العنف. وقد قدم لي تعاريفا للعنف من أحد الكتب الفلسفية وغيرها وكان جوابه كالتالي: « العنف هو إلحاق الضرر بالغير دون موافقته » و « العنف هو اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، وهو ممارسة ضد القانون والحق ». ومن هنا يحق لي التساؤل إذا كان العنف ضد إرادة الغير، فماذا نقول عن العنف الممارس من طرف الدولة علينا ؟ أهو ضد إرادتنا ونحن ننتمي إليها ونوافق على بنودها ودساتيرها وقوانينها ؟ فبهذا المفهوم نحن نوافق على العنف الممارس من طرف الدولة، فهو مع إرادتنا لأننا مسؤولون على تأسيس الدولة، ومن هنا رأيت أن العنف بعلاقته مع الدولة يخرج عن تعريفه الذي ذكرناه سابقا. لذلك لم تكن تلك التعاريف مقنعة لي حسب وجهة نظري. كما أنها تقتصر فقط على العنف المادي أو الفيزيائي الذي يركز على القوة. ولكن ما بال العنف التي تمارسه علينا وسائل الإعلام عبر بث الثقافات وزرع القيم المنافية لتقاليدنا وأخلاقنا وغيرها، أو العنصرية التي تعد عنفا في حد ذاتها لما تطبق من قمع وكبث للغير داخل الدولة التي لا ينتمي إليها ؟
من خلال مناقشتي هاته سأقتصر على العنف وعلاقته بالدولة. لقد جاءت الدولة كنظام يفرض القوانين ويشرعها بهدف الحفاظ على حياة كل فرد داخلها، وبالتالي عليها دحض العنف المستتب بين الأفراد. لذا أصبح العنف داخل الدولة غير مشروع بين الأفراد، ولذلك نرى عدة جمعيات ومؤسسات دولية تحمل شعارات وتطالب بها مثل: “لا للعنف ضد المرأة” أو “لا للعنف ضد الأطفال” وغيرها.
لكن كيف يمكن للدولة محاربة العنف ؟ ألها الحق والمشروعية في استعمال العنف ؟ واعتمادا على هذا نستحضر موقف ماكس فيبر الذي يقر بعدم إمكانية تعريف الدولة إلا انطلاقا من العنف مستمدا فكرته من أحد أقوال تروتسكي: « كل دولة هي جهاز مؤسس على العنف ». والعنف الذي يتحدث عنه هنا هو العنف المادي الفيزيائي أو ما يسميه البعض العنف البوليسي المحدث من طرف القوات البوليسية التي تحافظ على الأمن والسلام داخل الدولة.
ففي نظر فيبر العنف مشروع له صبغة قانونية ومؤسساتية، للدولة فقط الحق في احتكاره وممارسته داخلها لأجل تحقيق الهدف الأسمى وهو ضمان الحياة للأفراد. وهذا ما تعرفه دولنا في كل أنحاء العالم، إذ متى تم الاعتداء على أي فرد داخل الدولة أو خارجها، فالمسؤولية تقف على عاتق الدولة لأنها هي المسؤولة عن حل النزاعات وإبادة العنف، وذلك اعتمادا على أحد أنظمتها السياسية التي ترتكز عليها وهي السلطة القضائية التي تهتم بفصل النزاعات بين الأفراد أو الجماعات وإعادة الاستقرار إلى البلد. لكن ما هي حدود ممارسة الدولة للعنف ؟ هل عنف مطلق أم نسبي ؟ فهل للدولة الحق في القتل أي سلب حياة الناس وهو يعد أقصى درجات العنف ؟ وهل لها الحق في السجن مع العلم أنها تضمن الحرية للأفراد ؟
إن الدول حاليا لها الحق في السجن والقتل إذا دعت الضرورة إلى ذلك، ألا يعد هذا عنف زائد عن اللزوم؟
لقد أعطانا ميشو مثالا على القرن العشرين الذي تميز بمجموعة من الأحداث العنيفة المتمثلة في الحروب والإبادات والاضطهاد وكذا معسكرات الاعتقال والإجرام. كل هذا من خصائص الدولة الحالية التي تحارب العنف رغم أنها مسؤولة عن كل هذا العدوان والتعنيف، لأنها شرعت استخدام الأسلحة، وهدا ما أدى إلى زيادة حدة العنف سواء من الناحية الكمية أو النوعية.
من خلال ما أطلعنا عليه ميشو يتبين لي أن الدولة أصبحت عنفا في حد ذاتها، فالعنف هدفها وليس وسيلة من أجل تحقيق أهدافها. فإذا اعتبرنا الدولة مسؤولة عن الحد من العنف القائم بين الأفراد، فمن المسؤول عن الحد من العنف القائم بين الدول ؟
إنني أرى أن لحنا أراندت الحق في التساؤل حول تفسير العنف لما يصل إلى أقصاه ، أي إلى حدود غير متوقعة وإلى ما سمته الشر المحض أو الشر الراديكالي. فما اعتبرته حنا أرندت شرا مطلقا هو موجود حاليا نلحظه من خلال الأحداث التي نحياها، إنه الشر الذي يميز الصهاينة والإسرائيليين، إنه العنف الذي تمارسه بعض الدول الأجنبية على المسلمين من قهر وظلم وإبادة وتقتيل. أيمكننا نكران هذه الحقائق التي نحياها ؟ ولهذا كيف يمكن تصور دولة دون عنف وكل ما يوجد حولنا يؤكد على ضرورة عدم فصل الدولة عن العنف ؟ لقد أصبحا مفهومين متلازمين يستحيل التطلع إلى الفصل بينهما.
إن بيير بورديو يرصد لنا النوع الآخر للعنف، ألا وهو العنف غير المحسوس. فلقد انتقد الفكر الماركسي الذي اهتم فقط بالعنف المادي والاقتصادي. وفسر لنا بورديو العنف غير المحسوس بكونه العنف الممارس على الفاعلين الجمعويين أو الاجتماعيين داخل الدولة بموافقتهم ورضاهم، فأصبح هذا العنف وسيلة تستند عليها السلطة السياسية لبسط سيطرتها على الأفراد.
لكن ماذا نقول عن الأحزاب السياسية التي تقوم بانقلابات ضد الأنظمة السياسية المستعملة داخل الدولة ؟ إنهم يرفضون القوانين الدولية، وفي هذه الحالة أيحق للدولة مممارسة التعنيف ضدهم علما أن الدولة لها الحق والمشروعية في استخدام العنف فقط ضد الموافقين على قوانينها والخاضعين لها ؟
وفي آخر المطاف لا نزال نتساءل حول إمكانية تصور دولة دون عنف، لأن الإنسان تعب من هذه الحياة العنيفة ويتطلع دائما إلى الأفضل. ونعلم أن العنف يبقى دائما خصلة مذمومة يسعى الإنسان مند نشأته إلى محاربتها واستبعادها. ولذلك قام بتأسيس الدولة واحترام قوانينها، ولكن هذه الأخيرة باتت تستند على العنف أيضا. لكن ألا يمكن التخلي على العنف بشكل نهائي أو إيجاد حلول أفضل لحل النزاعات ؟
إن الزعيم الهندي واحد من أبرز الذين ينبذون العنف ويكرهونه، فهو يطالب بمبدإ أخلاقي روحي سامي وهو اللاعنف المبني على الإرادة الطيبة تجاه الآخرين وعلى الحب بين الناس. إنه يدعو الناس إلى تعميم الصداقة ومكافحة العنف بسلاح أخلاقي وذهن صافي من كل أشكال الحقد والكراهية لتخييب أمل المعتدي العنيف وإحساسه بإنسانيته للإقلاع عن فعله.
إذن يمكن القول بأن غاندي يقف ضد مشروعية استخدام العنف سواء بالنسبة للأفراد أو الدولة، باعتباره أن العنف ليس مفتاحا لحل النزاعات وأنه غياب للإرادة الطيبة تجاه كل من يحيى. إنه القانون الذي يحكم النوع الحيواني، وفي المقابل اللاعنف هو القانون الذي يحكم النوع الإنساني.
وخلاصة القول تنبني على أننا نستطيع تصور دولة دون عنف إذا ما عكسنا أفكارنا نحو مبادئ أخلاقية سامية بعيدا عن التأثيرات الواقعية المحيطة بنا.
لكن هل يمكن غض البصر عن العنف في واقعنا ؟ هل يمكننا اللجوء إلى مبدإ اللاعنف الذي دعانا إليه غاندي مع أناس لا يعرفون معنى الإنسانية ؟ أليست طبيعة الإنسان ميالة إلى العنف والعدوانية كما يزعم البعض ؟ وهل هناك احتمال إبعاد العنف عن سلوك الإنسان ؟


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

هل يمكن تصور دولة دون عنف؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل يمكن تصور دولة دون عنف؟   هل يمكن تصور دولة دون عنف؟ Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2011 7:32 am

للأمانة العلمية هذا الموضوع منقول لتعم الفائدة على الجميع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

هل يمكن تصور دولة دون عنف؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل يمكن تصور دولة دون عنف؟   هل يمكن تصور دولة دون عنف؟ Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2011 7:35 am

يتميز الفكر الفلسفي بخصوبة جعلت منه فكرا يرتاد حقولا متنوعة وينتج تصورات متعددة تكشف عن التعقد والغنى الذي يسم الحياة البشرية. فقد جعل الفلاسفة من ماهية الإنسان في تجلياتها المتعددة موضوعهم الأثير، وعملوا جاهدين على الكشف عن أبعادها الأنطولوجية والمعرفية والأخلاقية والسياسية..وفي سياق تناولهم للمسألة السياسية احتلت علاقة الدولة بالعنف مكانة هامة نظرا لما تنطوي عليه من مفارقات.
فكيف تم تحديد علاقة الدولة بالعنف في ظل تعدد التصورات الفلسفية؟
هل يشترط وجود الدولة ممارستها للعنف المادي كأساس لتنظيم المجتمع وتسييره؟ أم أنه بالإمكان تصور دولة تبتعد عن كل أشكال العنف؟
يقتضي تناول هذه الإشكالية تحديد المفاهيم التي ترتبط بها. فالدولة هي أعلى مؤسسة سياسية تشرف على تدبير شؤون المجتمع في كل مناحي الحياة وتوفر الشروط الضرورية التي تسمح بتنظيم العلاقات بين الفئات المختلفة. ومفهوم العنف يحيل لغويا إلى الشدة ويتعارض مع الرفق، ويتخذ في دلالته الإصطلاحية استخدام القوة من أجل إخضاع الغير لإرادة الذات. أما مفهوم الحق فيحيل من الناحية السياسية إلى التشريعات والقوانين التي تضبط العلاقات بين أفراد مجتمع ما. فكيف تتداخل هذه المفاهيم في سياق الإشكالية المرتبطة بالدولة والعنف؟
يكشف عالم الدولة عن ارتباط الحق والعنف بصورة تحقق التوازن أو تؤدي إلى الإختلال بين الطرفين. فالدولة قد تجنح إلى ممارسة العنف الذي يخول لها إثبات وجودها وضمان قوتها أو الحفاظ على سيادتها وتحقيق الأمن لأفرادها، أو إذا كان غياب العنف يهدد استقرار المجتمع ويؤدي إلى سيادة الفوضى. وهذا ما يؤكد لنا “ماكس فيبر” عندما يعتبر أن الدولة كتجمع سياسي منظم إداريا وقانونيا لها الحق في ممارسة العنف المادي. فهي وحدها تمتلك هذا الحق باعتباره وسيلة مميزة لها سواء تعلق الأمر بالأنظمة الإستبدادية القديمة أو بالأنظمة الديمقراطية الحديثة. أما افتراض وجود مجتمعات لا تعرف عنف الدولة فلا يعني سوى غياب جهاز الدولة وسيادة الفوضى. وما يميز الدولة الديمقراطية الحديثة هو أنها تمارس العنف بشكل مشروع باعتباره عنفا ينسجم مع المنظومة القانونية السائدة أو يخضع لقواعد متفق عليها غايتها حفظ الأمن وحماية الصالح العام. ولذلك تكون الدولة هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في اللجوء إلى العنف المادي وجعله تحت مراقبتها بحيث لا يحق استخدامه إلا بتفويض منها. فمثلا لا يحق للأفراد أن يمارسوا العنف على من ارتكب جريمة ما لأن ذلك من اختصاص الدولة وحدها. فالعنف المادي ضروري للدولة، وهو عنف مشروع يقوم على التوازن بينه وبين الحق أو الشرعية القانونية.
وبجانب تصور “فيبر” يحضر موقف “ماكيافيل”مع اختلاف نسبي. فهو مقتنع بأن السياسة تقترن بالصراع من أجل امتلاك السلطة والمحافظة عليها وأن طبيعة الناس تتسم بالشر، ومن ثم يدعو الأمير إلى التوسل بالقوة والدهاء للحفاظ على السلطة والتمكن من التغلب على الخصوم كما يعبر عن ذلك في قوله:”على كل من يريد بناء دولة وأن يضع لها قوانين أن يفترض مسبقا بأن الناس أشرار وأنهم على استعداد دائم لإظهار شرهم كلما وجدوا الفرصة سانحة لذلك”. ومن جهة ثانية يعتبر أن الدولة لا يمكنها ضمان استمرار سلطتها وتأمين سيادتها بدون اللجوء إلى العنف. وهذا ما يتضح لنا جليا من خلال إسداء عدة نصائح للأمير باعتباره زعيم الدولة، حيث يقول:” لا ينبغي أن تكون غاية الأمير سوى الحرب وما تقتضيه من أوامر وانضباط لأنها تمثل الفن الوحيد بالنسبة لمن يتولى القيادة”. فمعرفة هذا الفن هو الشرط الضروري للتمكن من بناء الدولة والمحافظة عليها. وبموازاة مع هذا فإنه يزاوج بين الأسلحة والقوانين من خلال تأكيده على أن الأسلحة الجيدة هي التي تضمن وجود قوانين جيدة، أي أن الحق لابد أن يستند إلى القوة والعنف كما يتضح من قوله:”لا يمكن أن توجد قوانين جيدة حيث لا توجد أسلحة جيدة، وحيث توجد أسلحة جيدة لابد من أن توجد قوانين جيدة”..
يعني هذا القول أن القوة العسكرية من أهم مقومات الدولة لأنها بمثابة سند ضروري للتشريعات وتضفي على القوانين صفة القوة والإلزام. وهذه حقيقة تثبتها العديد من الحالات التي يلجأ فيها القوي أو المنتصر إلى فرض القوانين التي تلائم مصالحه على الضعيف أو المغلوب كما نلاحظ في حالة القضية الفلسطينية كمثال صارخ يدل على أهمية القوة في تأسيس الحق. كما يمكن الإستشهاد بما نلمسه في وقتنا الراهن حول أمريكا التي تملك أكبر قوة عسكرية في العالم مما يمكنها من فرض سياستها وإصدار الأحكام على كل من يعترض على مواقفها كما حدث ذلك في العراق وليبيا والسودان وإيران..
وخلاصة القول أن “ماكيافيل” يؤكد على أن العنف لازم للدولة لضمان استمرارية السلطة والسيادة، وهو ما يجعل موقفه يتكامل مع الموقف السابق. غير أن التأكيد على ضرورة العنف قد ينطوي على مساوىء عندما يتم استخدامه دون اعتبار لكرامة الإنسان وحريته. وهنا نطرح سؤالا حول إمكان وجود دولة تعيش بعيدا عن العنف وتحتضن مجتمعا سياسيا يتوفر على الشرعية والإجماع ويمثل بالتالي دولة الحق. سؤال نجد جوابه عند مجموعة من الفلاسفة الذين ينبذون العنف. ف”جاكلين روس” مثلا تعتبر أن دولة الحق التي يسودها القانون ضمن علاقة الحاكمين بالمحكومين، هذه الدولة بما تملكه من سلطة تشريعية وتنفيذية تلزم الكل بالإمتثال لقوانينها ، فهي جهاز منفذ لإرادة الأفراد جميعا وضمان حريتهم وكرامتهم الإنسانية. فمثلا يحق للفرد أن يزاول أعماله وأنشطته بكل حرية ودون قيود وكذلك في أن يعيش عيشة كريمة ولا تنغص عليه حياته. وبالتالي فالدولة لا تقوم فقط على العنف المشروع كما يقول “ماكس فيبر”، بل تقوم على الحق وسيادة القانون الذي يعتبر الضامن الأساسي لحماية الفرد والجماعة من كل شطط في ممارسة السلطة واستغلالها وهو ما يجنب الشخص عنف الدولة وعنف الآخرين وضمان حياته وحريته…ف”جاكلين روس”تعترف اعترافا صريحا، من خلال تصورها، بضرورة نبذ العنف لكونه لا يمنح للأفراد حياتهم وعيشهم في أمان وهدوء. فإذا كان الأفراد هم اللبنة الأساسية للدولة فلماذا ستعنفهم وتهمشهم ولا تعيرهم أي اعتبار..ويتكامل هذا الموقف مع ما تقر به “حنا أرندت” من رفض مطلق للعنف الذي لا يجب أن يحظى في نظرها بأية مشروعية نظرا لطابعه الأداتي الذي قد يجعل منه وسيلة في يد الفرد لممارسة الجريمة مثلما يمكن للدولة أن تستغله من أجل ممارسة سلطة مطلقة تمنع الأفراد من الحق في الكلام والفعل حسب قولها، أو تعطي لنفسها الحق في القيام بممارسات تبلغ حد ما تسميه بالشر الجذري والذي يتمثل في الإبادة والتقتيل الجماعي كما تجسد ذلك في النازية والستالينية..ومن الأجدر بنا أن نستحضر هنا المناضل الأشهر ضد العنف مهما كانت دواعيه، والمقصود “غاندي” الذي دعا إلى مقاومة الإستعمار الإنجليزي للهند بوسائل سلمية وعدم الرد على العنف بعنف مماثل .فالتخلي عن العنف من شأنه أن يجبر المحتل في النهاية على الرضوخ لمطلب الإستقلال والحرية.
وهكذا نلمح أن هذه التصورات تعبر عن رفضها للعنف وتعتقد في إمكانية تخلي الإنسان عن العدوانية سواء في الحياة اليومية أو في الممارسة السياسية. لكن هذا الوجه الإيجابي لا يخفي الطابع المثالي لهذه المواقف بدليل أن ممارسة العنف لا زالت تمثل سمة أساسية للسلوك البشري وللممارسة السياسية للدولة وإن اختلفت مظاهر هذه الممارسة وتباينت مستوياتها.
ختاما يتأكد لنا الطابع الإشكالي لعلاقة الدولة بالعنف كما تكشف عن ذلك المواقف المتعددة التي يمكن تقسيمها إلى اتجاهين: اتجاه يرى أن الدولة ملزمة بممارسة العنف الذي قد يكون مشروعا(فيبر) أو لا يشترط فيه أن يكون كذلك(ماكيافيل)، واتجاه يميل إلى نبذ العنف دفاعا عن دولة الحق(ج- روس) أو عن الديمقراطية (أرندت) أو عن اللاعنف كقيمة أخلاقية وإنسانية(غاندي)..ونظرا لاختلاف المواقف باختلاف الأهداف التي تسعى إلى بلوغها، فلا يبقى لنا إلا أن نؤكد أن طبيعة الدولة هي التي تحدد طبيعة علاقتها بالعنف والحق، حيث أنها قد تدفعها إلى تغليب كفة أحد الطرفين أو تعمل على خلق التوازن بينهما
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
 
هل يمكن تصور دولة دون عنف؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هل يمكن تصور دولة دون عنف؟ 2
» كيف يمكن للذات أن تتعرف على الغير؟
» نظرية الكمية لا يمكن أن تؤذيك - ماركوس تشاون
» تحليل ومناقشة السؤال التالي: هل يمكن للإنسان أن يكون سعيدا من خلال إرضاء كل رغباته؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المعرفة للجميع :: الفلسفة والإنسانيات :: فضاء الفلسفة بالثانوي :: تلاميذ مبدعون-
انتقل الى: