الموضوع :
« يجب علينا أن نحدد ما هي العلاقة التي تربط بين أحداث معينة على نحو يجعل منها الحياة الذهنية لشخص ما، من الواضح أن الذاكرة من أهمها جميعا، فالأشياء التي أتذكرها هي تلك التي حدثت لي أنا. وإذا كان بإمكاني أن أتذكر مناسبة ما وأتذكر ضمن هذه المناسبة شيئا آخر فإن هذا الشيء الآخر قد حدث لي أيضا. غير أنه يمكن الاعتراض على هذا القول بأن شخصين قد يتذكران نفس الحدث، لكن مثل هذا الاعتراض ينطوي على خطأ، لا يوجد شخصان أبدا يريان نفس الشيء بسبب اختلاف موقعيهما، كما لا يمكن أن يكون لهما نفس إحساسات السمع والشم واللمس أو الذوق. إن تجربتي يمكن أن تتشابه بشكل كبير مع تجربة شخص آخر لكنها تختلف عنها دوما بهذا القدر او ذاك. فتجربة كل شخص هي تجربة خاصة به لوحده. »
حلل (ي) النص وناقشه (يه)
النموذج:
يعتبر الشخص كائنا متعدد الأبعاد، ويعتبر من المفاهيم المعقدة التي تتميز بالغموض والالتباس فهو يتحدد فلسفيا بأنه كائن حر وواع ومسؤول، وفي المعجم اللغوي يتحدد بالبروز والعظمة والبيان. ومن خلال تأملنا للنص نجد أنه يندرج ضمن مجزوءة الوضع البشري وتحديدا بمحور الشخص والهوية . مما يدفعنا لطرح الإشكالات التالية: كيف يمكننا تحديد هوية الشخص ؟وبم تتعلق هذه الهوية؟ وهل هي ثابتة أم متغيرة؟
من خلال تحليلنا لهذا النص نجد أنه ينطوي على أطروحة مفادها أن الذاكرة هي أساس الهوية الشخصية حيث بين لنا أن الرابط الأساسي للأحداث الذهنية للشخص هي الذاكرة فجميع الأشياء والأحداث التي نتذكرها تكون كلها قد حدثت لنا وحين نتذكر شيئا ما ونتذكر من خلاله أشياء أخرى فإن هذه الأشياء أو الأحداث نكون قد تعرضنا لها مسبقا. فلنأخذ في هذا السياق مثالا من حياتنا الواقعية فمثلا حين نتذكر طفولتنا ونتذكر ضمنها مجموعة من التفاصيل كأول يوم لنا في الدراسة فإن هذا الحدث يكون قد حدث لنا بالفعل وبقي مخزنا في أذهاننا وذاكرتنا. غير أن صاحب النص يشير هنا لقضية مهمة حيث إنه يمكننا الاعتراض على هذا القول بأن شخصين قد يتذكران نفس تفاصيل الحدث إلا أنه نفى هذه النقطة حيث بين لنا أنه لا يوجد شخصان يريان نفس الشيء بسبب اختلاف أوساط عيشهما واختلاف مواقعهما وأنماطهما كما بين أنه لا يمكن أن يكون لنا نفس إحساسات حواسنا المميزة كما أنه بين في أواخر نصه أن تجربة كل شخص هي تجربة خاصة به ينفرد بها لوحده.
ولتفسير الأطروحة اعتمد صاحب النص على جملة من المفاهيم والعبارات من أبرزها نجد مفهوم الشخص الذي هو كائن متميز عن غيره من الكائنات بالوعي والعقل، إضافة لمفهوم الذاكرة التي هي كل ما يربط بين أحداث الشخص الماضية والتي يستحضرها في الحاضر، وإضافة للإحساس الذي هو الإدراك المرتبط بعمل الحواس المميزة للإنسان كالسمع والشم واللمس و الذوق.
ولإغناء أطروحته وتأكيدها اعتمد صاحب النص مجموعة من الأساليب الحجاجية من أبرزها أسلوب التفسير وأسلوب المثال وذلك بتقديمه لمثال المناسبة، وأسلوب المقارنة من خلال مقارنة تجاربه الشخصية بتجارب الآخرين، وأسلوب الاستنتاج أو الاستخلاص من خلال توصله بأن تجربة كل شخص هي تجربة خاصة به لوحده.
نخلص إذن أن الذاكرة هي أساس الهوية الشخصية والتي بواسطتها تتحدد مقوماتها وأبعادها وذلك عن طريق الإحساس المرتبط بالحواس ونخلص أيضا أن كل كائن واع ومسؤول له تجربته الخاصة التي ينفرد بها ويتميز بها لوحده ولا يمكن أن نجد أي شخص يتشابه مع شخص آخر في تجاربه .
تكمن قيمة هذا النص في كون أن الذاكرة تربط بين أحداث معينة ذهنية للشخص وأن تجربة كل شخص هي تجربة خاصة به لوحده غير أن صاحب النص تناسى ذكر أن الذاكرة معرضة للنسيان والتخريب أسباب مختلفة مثل التعرض لحادث مروع أو لصدمة ما ومنه فقدان الذاكرة؛ حيث إنه ربط هوية الشخص بالذاكرة وأغفل هذه النقطة ...
في هذا الإطار نجد الفيلسوف التجريبي لوك الذي يبين بأن هوية الشخص مرتبطة بالذاكرة والشعور والحواس وهو برأيه يؤيد صاحب النص كما أن لوك يشير إلى أن الهوية الشخصية ثابتة مرتبطة بالذاكرة والشعور في حين نجد الطبيب النمساوي فرويد يشير إلى ان الهوية متغيرة ويربطها بالوحدة والدينامية لعمل الأنا و الأنا الأعلى والواقع وهو بهذا يعارض صاحب النص كما يؤكد أنها نتيجة للصراع بين مكونات الجهاز النفسي.
إجمالا، نخلص إلى أن هوية الشخص تتحدد بالذاكرة التي تميز كل إنسان عن غيره والتي بواسطتها تتحدد مقوماته وأبعاده. فبالذاكرة يستطيع الشخص تذكر مجموع الأحداث التي نكون قد تعرضنا لها، كما أن تجربة كل شخص لا يمكن ان نجدها مكررة لدى شخص آخر بسبب اختلاف المواقع كما أنه لا يمكن الحسم في كون الهوية ثابتة أم متغيرة حيث أن لكل فيلسوف مواقفه الخاصة وحججه البرهانية.
من إنجاز: نهيلة الدوازي/ع.ر