هل الإنسان هو الذي يصنع التاريخ أم أنه صنيع للتاريخ؟ وهل وعي الإنسان وإرادته الحرة هي التي تصنع الأحداث التاريخية أم أن هذه الأخيرة هي نتاج لعوامل موضوعية تتجاوز الإرادة الإنسانية نفسها؟ وهل يمكن الحديث عن حتمية تخضع لها الصيرورة التاريخية أم أن هذه الصيرورة نتاج لحرية الفاعل التاريخي؟
1- أطروحة هيغل (1770-1831)
يذهب الفيلسوف الألماني هيغل إلى الإنسان ليس هو من يصنع التاريخ، وإنما هو مجرد وسيلة يوظفها من أجل السير بالعقل من لحظة البساطة إلى لحظة المطلق، وهي لحظة يصير فيها العقل البشري قادرا على معرفة ما لم يكن يقوى عليه في مراحل سابقة.ويرى هيجل أن أبطال التاريخ وعظمائه هم مجرد أدوات تحقق الروح أو العقل من خلالهم أهدافها الخاصة؛ فلكل حقبة تاريخية روحها الخاصة يسميها هيجل بروح العصر، وهي التي تسيطر على الأفراد وتستعملهم لصالحها الخاص ومن أجل تحقيق إنجازات حتمية لا بد أن تظهر في زمانها الخاص ولو ضدا على الإرادات الفردية.إن العقل الكوني يسكن داخل الشخصيات التاريخية ويتواجد داخل لا وعيها، وهو من خلال هذا التواجد يستخدمها لتحقيق غاياته. وما إن ينتهي دور تلك الشخصيات وكفاحها من أجل تحقيق الغايات الكونية للعقل حتى تختفي من مسرح التاريخ دون أن تحقق سعادتها الخاصة.
2- أطروحة لوي ألتوسير ( 1918-1990)
في قراءته لهيغل يؤكد ألتوسير أن التاريخ، كما تصوره هيغل، عبارة عن سيرورة بدون ذات فاعلة؛ إذ أن الإنسان ليس في نهاية الأمر إلا خادما للتاريخ، يتفاعل بدوره مع عوامل خارجية لإيصاله إلى حتميته وغايته النهائية المتمثلة في بلوغ لحظة اكتمال الوعي ونضجه. فالتاريخ ماكر حسب هيغل لأن هدفه في الأخير ليس هو إرضاء الإنسان، وإنما هو المضي نحو تحقيق غايته التي يعتبرها بمثابة حتمية لا يمكن أن يتنازل عنها.
3- أطروحة جون بول سارتر ( 1905-1980)
يرفض سارتر كل المواقف التي تنظر إلى الإنسان ككائن سلبي في التاريخ، معتبرة أن هذا الأخير نتاجا لشروط وحتميات مرتبطة بالإنسان أو بعيدة عنه، لا يمكن حسب سارتر إفراغ التاريخ من مجهودات الإنسان الطامح نحو تسخير عالم الأشياء لصالحه. وقد اعتبر سارتر أنه إذا كان الناس يتحركون ضمن شروط واقعية سابقة على وجودهم، فإنهم مع ذلك هم الذين يصنعون تاريخهم ولا يمكن اعتبارهم مجرد أدوات فاقدة للوعي. وإذا كانت فئة من الناس في ظرفية زمنية معينة لا تصنع التاريخ، فإن فئة أخرى تصنعه. ومن هنا يظل الإنسان هو الفاعل الحقيقي للأحداث التاريخية، بالرغم من أنه يقع أحيانا ضحية الاستغلال الناتج عن الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية.
إن التاريخ حسب سارتر هو نتاج للفاعلية البشرية التي تحقق من خلاله مشروعها الخاص، لكن هذا التاريخ مع ذلك سيظل غريبا عن الإنسان ما لم يتحرر من الاستغلال والهيمنة ويستفيد من كفاحه ومجهوده الذي سيمكنه من صنع التاريخ وتملكه، وإعطائه معنى يتماشى مع طموحاته وغاياته الخاصة.