المعرفة للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المعرفة للجميع

زاد المعرفة ونبراس يضيء كل الدروب المظلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المحور الثالث: العلاقة مع الغير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

المحور الثالث: العلاقة مع الغير Empty
مُساهمةموضوع: المحور الثالث: العلاقة مع الغير   المحور الثالث: العلاقة مع الغير Emptyالخميس نوفمبر 24, 2011 4:18 pm

تفرض ضرورات الحياة وإشراطاتها الاجتماعية على كل من الذات من الآخر، الاتجاه نحو إرساء علاقاتهما على أسس وضوابط تكفل للجميع حق العيش والبقاء. فبالنظر إلى اختلافات طموحات البشر ورغباتهم لا بد من وضع قواعد ملزمة للجميع تتواضع وتتفق الجماعة عليها ويلحق كل من أخل بها عقوبات مناسبة. لكن إيمان الجميع بهذه الحاجة لا يوازيه شعور بضرورة التقيد بها، حيث ينحو الأفراد والدول أحيانا نحو تجاهل هذه الأسس، وفي أحيان أخرى نحو تعديلها، لكي تتماشى مع أهدافها، مما يمهد لبروز أفعال وسلوكات تطغى عليها الأنانية.
فكيف تتحدد العلاقة مع الغير؟
وعلى أي أساس ينبغي أن تقوم العلاقة مع الغير؟ هل على أساس المحبة والتواصل، أم على أساس الإقصاء والعداء؟
كيف يمكن للذات أن تتجاوز أنانيتها وانغلاقها، وتنفتح على الغير من غير أن تفقد هويتها الخاصة؟
ما هي أنواع العلاقات التي يمكن للذات أن تنسجها مع الآخرين؟

1- أرسطو (384-322 ق.م)

خصص أرسطو الكتابين الثامن والتاسع من كتابه « الأخلاق إلى نيقوماخوس» للحديث عن الصداقة؛ إذ اعتبرها أشرف وأسمى الروابط التي يمكن أن تجمع بين قلبين يتبادلان من خلالها الحب أو المحبة. ويميز أرسطو في الكتابين السالفين بين ثلاثة أنواع من الصداقة هي: صداقة الفضيلة وصداقة المنفعة وصداقة المتعة. وتأتي صداقة الفضيلة أولا لأن الأساس الذي تقوم عليه أخلاقي لا يزول ولا يتلاشى مهما يحصل من شقاء أو اختلاف بين الصديقين.
يذهب أرسطو إلى أن الصداقة بما هي فضيلة أخلاقية، يمكن أن تكون مبدأ محددا للعلاقة بين الذات والغير، ويرجع ذلك، حسبه، إلى أن كل واحد في حاجة ماسة ودائمة إلى الأصدقاء؛ ذلك أن الجاه والمال والسلطة وقوة البدن لا تغني الإنسان عنها ما دام أن ما يسديه الأصدقاء لبعضهم البعض لا يمكن أن يتم دونها، كما أن تمتين العلاقات بين الأفراد على أساس المحبة المتبادلة التي هي أساس علاقة الصداقة، يجعلهم في غنى عن الدول والحكومات.
لقد قرر أرسطو في «كتاب السياسة» أن الإنسان مدني بالطبع، أي أنه يميل بطبعه إلى الاجتماع بالآخرين قصد بناء مجتمع إنساني يحقق السعادة والفضيلة. فالإنسان، حسب المعلم الأول، مهما كان سنه ومهما كانت مرتبته الاجتماعية، هو في حاجة إلى أصدقاء. لذلك فماهية العلاقة بين الإنسان والآخر هي الصداقة التي تتأسس في الوقت نفسه على المنفعة والمتعة والفضيلة. إذ يؤكد أرسطو: «أن الصداقة هي ضرب من الفضيلة أو على الأقل إنها دائما محفوفة بالفضيلة. وهي فوق ذلك إحدى الحاجات الأشد ضرورة للحياة لأنه لا أحد يقبل أن يعيش بلا أصدقاء ولو كان له مع ذلك كل الخيرات.» لا حياة إذن بلا أصدقاء، فهم الملاذ الذي يأوي إليه الإنسان في حالات البؤس وفي الشدائد المختلفة. فحينما نكون شبانا نطلب إلى الصداقة أن تعصمنا من الزلات بنصائحها، وحينما نصبح شيوخا نطلب إليها عنايتها ومساعدتها بل إننا نعتمد عليها لنتم بها أعمالنا حتى ولو كنا في أكمل قوتنا.

2- الصداقة من منظور كانط:
- يؤكد كانط أن الصداقة في صورتها المثلى هي اتحاد بين شخصين يتبادلان نفس مشاعر الحب والاحترام.
- تتسم الصداقة من المنظور الكانطي بالتعالي والسمو فهي عبارة عن مثال للتعاطف والتواصل بين الناس، وغاية هذا المثال تحقيق خير الصديقين اللذين جمعت بينهما إرادة طيبة.
- تقوم الصداقة على أساس أخلاقي وعقلي يقتضي تبادل نفس مشاعر الحب والاحترام.
يتصور كانط مشاعر الحب باعتبارها قوة جذب بين صديقين، ومشاعر الاحترام كقوة دفع بينهما. فالحب يتولد عنه تجاذب بين الطرفين، أما الاحترام فيتولد عنه تباعد بينهما.
يثير كانط بعض الصعوبات التي تواجهها الصداقة: فواجب الحب يقضي بتنبيه الصديق إلى أخطائه متى ارتكبها. بينما تشكل تلك الأخطاء إخلالا بمبدأ الاحترام بينهما.
ولهذا يستخلص كانط أنه لا يجب أن تقوم الصداقة على المنفعة المباشرة بل يجب أن تقوم على أساس أخلاقي خالص.
خلاصة: حسب كانط تتأسس العلاقة بين الأنا والغير على مبادئ أخلاقية وعقلية. فالصداقة علاقة إنسانية تجمع بين شخصين يتبادلان نفس مشاعر الحب والاحترام لا على أساس جلب منافع مباشرة بل على أساس أخلاقي خالص.

3- أوغست كونت مؤسس الفلسفة الوضعية: الغيرية كأساس للعلاقة مع الغير

أوغست كونت Auguste Comte: ولد سنة 1798 في مونبوليي (جنوب فرنسا) وتوفي عام 1857.
مؤسس الوضعية وعلم الاجتماع.
من مؤلفاته:
مواعظ وضعية.
دروس في الفلسفة الوضعية.
نسق الفلسفة الوضعية

الفلسفة الوضعية:
مذهب فلسفي يرى أن الفكر البشري لا يستطيع أن يكشف عن طبائع الأشياء ولا عن أسبابها القصوى وغاياتها النهائية، بل يستطيع فقط أن يدرك ظواهرها وعلاقاتها وقوانينها؛ أي أن المعرفة الصحيحة هي المعرفة المبنية على الواقع والتجربة، وأن العلوم التجريبية هي التي تحقق المثل الأعلى لليقين.

في كتابه “وصايا وضعية” يؤكد كونت أن تصاعد قيم الأنانية والهمجية في المجتمعات الحديثة لا يمكن أن يحد ما لم يتم تأصيل قيمة الغيرية لدى كل فرد؛ حيث ينبغي على الجميع أن يعرف بأن عمق وجوده يتحدد في كونه «وجودا من أجل الغير» لا وجودا من أجل الذات فقط. ويمكن رد ذلك إلى أن الإنسانية تغدق على كل واحد خيرات لا تحصى منذ ولادته حتى وفاته، وعليه كرد للجميل واعترافا بفضلها عليه أن يتحرر من كل ما هو أناني، والعمل في مقابل ذلك على حشر نفسه فيما تصبو إليه وتريده. والغيرية (نكران الذات والتضحية من أجل الغير) هي الكفيلة بتثبيت مشاعر التعاطف والمحبة بين الناس، واستئصال مشاعر الأنانية الهمجية.

4- علاقة الأنا بالغير هي علاقة صراع: ألكسندر كوجيف (1902-1968)

يعتبر ألكسندر كوجيف من كبار قراء وشراح الفلسفة الهيجيلية، وإليه يعود الفضل في التعريف بهذه الفلسفة في الساحة الفكرية الفرنسية. فهيجل ينفي أن تكون العلاقة مع الغير قائمة على الصداقة أو على الشفقة، وإنما تقوم هذه العلاقة حسبه على مبدأ الهيمنة. فالإنسان إما سيد الغير أو عبده. وهو لا يخرج عن هذه العلاقة التراتبية المؤسسة على الصراع من أجل نيل الاعتراف وفرض الهيمنة.

5- الغير كذات غريبة عن الأنا: جوليا كريستيفا (1941-...) J. Kristeva


تكشف جوليا كريستيفا في تصورها للعلاقة مع الغير أن الغير هو تلك الذات الغريبة عن الأنا، والساعية إلى اختراقها ولما لا تهديدها؛ غير أن هذه النظرة تخفي في عمقها نزعة عدائية وفهما خاطئا للآخر، لأنه ليس وحده الغريب على هوياتنا، على اعتبار أن الغريب عنصر يسكننا جميعا؛ إذ لا يمكن أن يسود داخل الجماعة رأي واحد وإنما آراء متعددة ومختلفة؛ وما دام الأمر كذلك، فإنه يلزمنا أن نتحرر من كل نظرة دونية أو إقصائية للغير.

هل يمكن أن يواجه الغير الغريب بالنبذ والإقصاء أم بالاحترام والتسامح؟

عن هذا السؤال أجابت الدراسات المعاصرة حول الغير، ونبهت إلى قيمة هذا الغريب وحذرت من تهميشه ونبذه، لأنه في نهاية المطاف ليس إلا الأنا الذي يسكننا دون أن نشعر بوجوده. وهو ما عبرت عنه كريستيفا بقولها: ليس الغريب- الذي هو اسم مستعار للحقد والآخر- هو ذلك الدخيل المسؤول عن شرور المديينة كلها، ولا ذلك العدو الذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى الجماعة. إن الغريب يسكننا على نحوغريب. إنه القوة الخفية لهويتنا، والفضاء الذي ينسف بيتنا، والزمان الذي يتبدد فيه وفاقنا وتعاطفنا. ونحن إذ نتعرف على الغريب فينا، نوفر على أنفسنا أن نبغضه في ذاته... فالغريب ليس ذلك القادم من الخارج أو البراني على الجماعة، الذي يهدد تماسكها وانسجامها، ذلك أن وحدة الجماعة ليست في الواقع سوى مظهر عام عندما ندقق فيها، وينكشف لنا أن الجماعة تحمل في ذاته بحكم تناقضاتها الداخلية غريبا قبل أن ينفذ إليها غريب أجنبي.

خلاصة تركيبية:

إن للصداقة دورا مهما في نسج علاقات إيجابية مع الغير، فهو بمثابة مختبر حقيقي لقدرات البشر على الصدق والوفاء، لكن يبقى هذا المفهوم غير ذي معنى إذا انحصر في نطاق الغير القريب، وأقصى ما عداه من الأغيار، أي الغير الغريب أو البعيد، مع العلم أن الموقف إزاء ما هو غريب يعد هو الآخر امتحانا حقيقيا لإمكانات البشر على تقبل وتفهم المخالف لنا في العقيدة واللون والعرق. إنه اختبار حقيقي لقبول الاختلاف، أي لقبول ما يفرق البشر، وليس فقط لما يجمع بينهم، لأن ذلك المخالف ما هو في واقع الأمر إلا القوة الخفية لهويتنا، وحين نتعرف على هذه القوة الخفية فينا، أي الغريب فينا، نوفر على أنفسنا أن نبغضه في ذاته لأن وجوده يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تشكيل هويتنا الثقافية.

إن الغير سواء كان فردا أو جماعة، قريبا أو بعيدا عنا، هو جزء لا ينفصل عن الذات، يمنحها الوجود والتحقق، لذا لا بد من مد جسور التواصل معه وإقامة علاقة معه تقوم على أساس التعاون والاعتراف المتبادل، مع نبذ كل أشكال التمييز والإقصاء والعنف، لأن الغير في نهاية المطاف، ما هو إلا أنا آخر بشري.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
 
المحور الثالث: العلاقة مع الغير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المحور الثاني: معرفة الغير
» المحور الأول: وجود الغير
» المحور الثالث:دور الإنسان في التاريخ
» المحور الثالث: معيار علمية النظريات العلمية
» المحور الثالث: الإيديولوجيا والوهم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المعرفة للجميع :: الفلسفة والإنسانيات :: فضاء الفلسفة بالثانوي :: ملخصات الدروس-
انتقل الى: