الموضوع:
هل كل فكرة مفيدة هي فكرة صائبة؟
النموذج:
لطالما سعى الإنسان في حياته إلى تحصيل المعرفة باعتبارها عملية بناء تقوم بها الذات الباحثة عن الحقيقة على موضوعها سواء كان مرتبطا بالإنسان أو مرتبطا بالعالم الخارجي، قصد بلوغ الحقيقة باعتبارها مطابقة الفكر للواقع. لكنه واجه في ذلك عدة عراقيل منعته من تحقيق هدفه حينا وتخطاها حينا آخر، وأعتى هذه العراقيل هو عدم قدرته على تحديد السبيل الناجع والمرجع الناجح والمعيار الصحيح الذي يخول له أن يبلغ الحقيقة الصحيحة السليمة. فما معيار الحقيقة إذن؟ وكيف نميز بين الأفكار الصحيحة والأفكار الخاطئة؟
من خلال قراءتنا للسؤال أمامنا نستشف منه صعوبة في تحديد معيار الحقيقة ويجعلنا نحاور أنفسنا ونتساءل إن كانت كل فكرة مفيدة أي كل فكرة تصب نحو رغباتنا وتلبي طلباتنا هي فكرة صائبة ومطابقة للواقع. لكن إن تأملنا في وقائع الحياة اليومية وفي الأحداث التاريخية سنجد أن هناك أفكارا مفيدة لا تصب في دلو الحقيقة؛ فكثيرا ما تبني النفس حقائقها رغم أنها ليست حقائق، بل تراها النفس فقط أنها في ثوب الحقيقة لكونها تحمل ما يفيدها وتتعنت في تقبل أنها مخالفة للصواب، ودائما ما تكون هذه الأفكار المفيدة على حساب سعادة الأنا الأخرى، فمثلا نجد نظرية كوبرنيك التي تؤكد أن الأرض تدور حول الشمس وحول نفسها قد تعرضت للدحض والتكذيب من طرف الكنيسة وصولا إلى العنف على شخص كوبرنيك.
لمناقشة السؤال وجب أن نستحضر موقفين متعاكسين لهما منحيان مختلفان، وهنا أجد نفسي أمام أطروحة ديكارت التي ترى أن المعيار الصحيح للحقيقة يتجلى في العقل، فكل ما هو خارج عن العقلانية هو خارج عن نطاق الحقيقة، عكس كانط الذي يرى من خلال أطروحته أن الحقيقة مرتبطة بالأخلاق حيث أن كل ما يطابق الأخلاق حقيقي وما يخالفها ويخرج عن إطارها غير حقيقي. ويستمر الجدال إذن بين هذين الطرفين قصد الوصول إلى بناء المعيار الصحيح الموصل للحقيقة.
من خلال ما سبق نجد أن التيار العقلاني يربط الحقيقة بالعقل كمعيار وحيد وأوحد لبناء حقيقة ما وكل ما لا يطابق ويتماشى مع العقل وما لا يتقبله فهو غير حقيقي. أما التيار الأخلاقي بقيادة كانط فيرى أن الأخلاق هي السبيل الصحيح لبلوغ الحقيقة. لكن إن اتفقنا مع هذين الموقفين سنجد أن منطق العقل هو القريب إلى الصواب لأن الأخلاق تتغير من مجتمع لآخر مما سيجعل الحقيقة بدورها متغيرة وغير ثابتة، فالقيم الأخلاقية في اليونان ليست نفس القيم الأخلاقية في المغرب. وبالتالي الحقيقة اليونانية لن تكون هي نفسها الحقيقة المغربية.
فمن أين تستمد الحقيقة قيمتها لتكون ثابتة لا تتغير مهما اختلفت الظروف؟
من إنجاز التلميذ: مبارك النجاري