الموضوع:
" إن العلم يتعارض تعارضا مطلقا مع الرأي"
حلل مضمون هذا القول الفلسفي وبين إلى أي حد يتعارض الرأي مع العلم.
ليس كل ما هو واقعي حقيقي، هذا المبدأ سيجعل من الحقيقة كقيمة معرفية هدفا منشودا يبتغي الصدق والوضوح؛ فتعدد المناهج والحقائق سيجعل من هذا المفهوم إشكالا فلسفيا سيضع الفلسفة أمام محك البحث عن المعيار أو المعايير التي ينبغي اعتمادها للوصول إليها. والقولة التي نحن بصدد تحليلها تندرج في هذا الإطار أي داخل مجزوءة المعرفة، وتحديدا ضمن مفهوم الحقيقة. فإذا كان المفهوم يدل على معان الصدق، الحق والوضوح. فهل يمكن اعتبار الرأي شكلا من أشكال الحقيقة ؟ وما علاقة الرأي بالحقيقة ؟ هل هي علاقة صراع أم تكامل؟ تنطلق القولة من فكرة أساسية مفادها أن العلم يتعارض تعارضا مطلقا مع الرأي. فالحقيقة معطى لا يؤمن بالآراء والاعتقادات الرائجة والشائعة بين الناس بل هي بناء عقلي أساسه الواقع الملموس. وتتألف هاته القولة من مفهومين أساسيين ومركزيين: العلم الذي يجسد في هذه القولة مفهوم الحقيقة العلمية الذي يدل فلسفيا ومنطقيا على مطابقة الفكر لموضوعه، إضافة إلى مفهوم الرأي الذي يتمثل في فكرة أو اعتقاد يعوزه اليقين والموضوعية. كما تستمد هذه القولة قوتها من الأساليب الحجاجية المكونة لها من قبيل التوكيد المتمثل في (إن). يمكن القول إذن إن البنية المنطقية لهذه القولة تنسجم مع أطروحتها ذلك أن الأسلوب اللغوي والمنطقي أدى بمضمون هذه القولة إلى الخروج بقيمة مفادها أن الرأي ليس شكلا من أشكال الحقيقة. لكن إلى أي حد يمكن اعتبار موقف القولة صائبا؟ ألا توجد مواقف أخرى تناقش نفس الإشكال من زاوية نظر أخرى ؟
يمكننا مناقشة أطروحة هذه القولة عن طريق استحضار بعض المواقف الفلسفية التي تعالج نفس القضية. حيث يشير أفلاطون إلى أن الحقيقة المطلقة توجد في عالم الماهيات (عالم المثل) وهي لا ترتبط بما هو زائل كالمحسوس.الحقيقة لا تعتمد على ما هو شائع ومتداول في الآراء، إنها بناء عقلي أساسه تجاوز المعارف الحسية النسبية. في حين يرى الفيلسوف العربي الفارابي أن الرأي هو خاصية العوام لأنهم يقتاتون معارفهم مما هو شائع وعام ومتداول كالشعر و حفظ الأخبار، وهي لا تؤسس لمعاني معقولة وليحصل اليقين فيها وجب اتباع الطرق البرهانية على أساس عقلي.
هذا الموقف نجده في الفلسفة الديكارتية مع أب الفلسفة الحديثة الذي يدعو إلى إعادة النظر في الآراء والاعتقادات التي نتلقاها من الواقع المتداول دون تمحيص و فحص. إن فكرنا مليء بالآراء و الأحكام المسبقة ولإقامة المعرفة على أسس سليمة يلزم تطهير الفكر وتخليصه من هذه الآراء.
في المقابل يرفض باسكال التصور العقلاني الذي يعتبر أن العقل هو مصدر المعرفة، فالعقل لا يمكنه معرفة كل شيء و لا يمكنه أن يحتكر الحقيقة لوحده بل هناك طرق أخرى لتحصيلها مباشرة كالقلب و الآراء الخاصة.
يكتسي الرأي إذن في علاقته بالحقيقة طابعا إشكاليا يتجلى أساسا في كون الحقيقة غاية معرفية تتطلب الوضوح والرأي معرفة متداولة تعكس الفهم المشترك. إن حضور الرأي بشكل قوي يدفعنا إلى القول إن مهمة الوصول إلى الحقيقة ستكون صعبة إن لم نقل مستحيلة ما دام الأمر يتحدد بتجاوز الرأي مما يدفعنا الى تعميق النقاش الفلسفي وتوجيهه نحو الكشف عن المعيار أو المعايير التي تجعل الحقيقة متميزة بذاتها.
من إنجاز: التلميذة ابتسام قسود.