هل معرفة الغير ممكنة؟
يندرج هذا السؤال ضمن مجال مفهوم الغير وبالتحديد ضمن الإشكال الفلسفي المرتبط بمعرفة الغير. فالغير عالم إنساني يشبه الأنا ويختلف عنه في نفس الآن. إذ لا يتحقق الوجود الإنساني الفردي والجماعي إلا بالحضور المادي أو الرمزي لذوات إنسانية تنشأ بينها علاقات مركبة ومتداخلة. لكن هل يمكن إدراك الغير بوصفه ذات تشبهي فنشكل معا عالما واحدا أم أن عالم الغير يظل منغلقا مثل انغلاق عالمي أمامه. وهكذا يمكننا صياغة الطرح الإشكالي في حدود الأسئلة التالية:
كيف لي أن أعرف الغير؟
على أي أساس تقوم معرفة الغير؟
إن السؤال قيد التحليل جاء في صيغة استفهامية تضم هل كأسلوب استفهام ومن ثم فهو يطرح أمامنا إمكانيتين للجواب لا ثالثة لهما. إما بالتأكيد: نعم أو بالنفي: لا. كما يتضمن السؤال مفهوم الغير والذي يأخذ في اللغة العربية معان تتضمن الغيرة والمبادلة والتغير وتفيد هذه المعاني تصورا مشتركا هو الاختلاف والتعدد إما علائقيا( الغيرة) أو مجاليا (المبادلة) أو زمنيا (التغير) ثم مفهوم المعرفة وهي إغناء للذات من موضوعات سواء كانت طبيعية أو إنسانية وجاءت أيضا في السؤال كلمة ممكنة وهي من الإمكان أي القدرة والاستطاعة على فعل أمر ما.
تتضارب الآراء وتتعارض المواقف عندما يتعلق الأمر بمعرفة الغير فعلى سبيل المثال ماكس شيلر يعتقد أن معرفة الغير ممكنة لكن معرفته وإدراكه يرتبط بالوضعية الفينومينولوجية وبالتالي فهو يرفض تقسيم الإنسان إلى قسمين داخلي وخارجي نفسي وجسدي بل يجب النظر إليه باعتباره كلا غير قابل للتجزيئ يترابط فيه المضمون الداخلي بالخارجي ترابطا وثيقا. وبهذا المعنى فإدراكنا للغير يجمع بين إدراكنا لمظاهره الجسمية وعالمه النفسي الداخلي وذلك من خلال تجربة إنسانية مشتركة
إذا كان ماركس شيلر يؤمن بإمكانية معرفة الغير فغاستون بيرجي جاء على عكس ذلك، فتصوره يندرج في السياق القائل باستحالة أو على
الأقل صعوبة معرفة الغير على اعتبار أن كل ذات تعيش تجربتها في عزلة مطلقة داخل عالمها الخاص. هذه التجربة الذاتية هي وحدها الوجود الحقيقي وهي غير قابلة لأن تدرك من قبل الغير لأنها محاطة بجدار سميك يخفي داخله العالم السري للذات.
في الأخير، يمكن القول إنه سواء أكانت معرفة الغير ممكنة (شيلر) أو مستحيلة (بيرجي) فالغير يبقى مفهوما إشكاليا يطرح دائما نفسه ضمن ثنائية لا تنفصل إما إمكان المعرفة أو عدمها. إلا أن مفهوم الغير لا يتحدد فقط بما هو معرفي بل كذلك بما هو اجتماعي وأخلاقي. ولعل العلاقة مع الغير هي مفتاح معرفته، ألم يقل يوما القديس أوغسطين: "إننا لا نعرف الغير إلا بالصداقة"