المعرفة للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المعرفة للجميع

زاد المعرفة ونبراس يضيء كل الدروب المظلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المحور الثاني: معرفة الغير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

المحور الثاني: معرفة الغير Empty
مُساهمةموضوع: المحور الثاني: معرفة الغير   المحور الثاني: معرفة الغير Emptyالثلاثاء نوفمبر 22, 2011 5:10 pm

عندما تستكمل الذات الوعي بذاتها، تكتشف أنها ليست الوحيدة في الوجود بل إنها تحيا بجانب الغير، مما يدفعها حينئذ إلى خلق جسور للتواصل معه من أجل معرفته وسبر أغوار عالمه واختراق حدود حميميته. إلا أن الذات تصطدم خلال محاولتها التعرف على الغير بعدة صعوبات، فإذا كان يسهل عليها التعرف عليه أحيانا، ففي أحيان كثيرة يستعصي عليها ذلك لأسباب مختلفة. فهل معرفة الغير ممكنة أم أنها صعبة؟ وما هي قيمة وحدود معرفة الذات بالغير، هل هي معرفة حقيقية أم أنها مجرد افتراضات وتخمينات تبوء غالبا بالفشل؟ وكيف تتعرف الذات على الغير وبأي أدوات ومناهج؟ وهل، أخيرا، تتمثل الذات الغير كوعي وروح وجوهر أم كشيء أو موضوع؟
تتراوح معرفة الغير بين الإمكان والاستحالة، ولهذا فالمواقف الفلسفية التي قاربت إشكالية معرفة الغير انقسمت بدورها بين من اعتبر أن معرفة الغير ممكنة وبين من تنكر لهذه المعرفة واعتبرها مستحيلة أو صعبة على الأقل.

1- الموقف الأول: استحالة معرفة الغير
1-1- يرى سارتر أن وجود الغير ضروري من أجل وجود الأنا ومعرفته لذاته، وذلك واضح في قوله: “الغير هو الوسيط الضروري بين الأنا وذاته”. من هنا يعد الغيرعنصرا مكونا للأنا ولا غنى له عنه في وجوده. غير أن العلاقة الموجودة بينهما هي علاقة تشييئية، خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل بينهما، أي أن هناك عدما بين الأنا والغير، جعل كليهما ينظر إلى الآخر كشيء أو موضوع وليس كأنا آخر. هكذا فالتعامل مع الغير كموضوع مثله مثل الموضوعات والأشياء يؤدي إلى إفراغه من مقومات الوعي والحرية والإرادة. ويقدم سارتر هنا مثال النظرة المتبادلة بين الأنا والغير؛ فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وحرية، وما إن ينتبه إلى أن أحدا آخر يراقبه وينظر إليه حتى تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقائيتها. هكذا يصبح الغير جحيما، وهو ما تعبر عنه قولة سارتر الشهيرة:”الجحيم هم الآخرون”.
وحينما يخضع الأنا الغير للمعرفة ويتعامل معه كموضوع أو كشيء، فهو يفرغه من مقوماته الجوهرية ( الوعي والحرية والإرادة)، وبالتالي خلق هوة فاصلة بين الغير وبين الأنا الذي يريد معرفته. من هنا يرى سارتر أن الأنا يدرك الغير كجسم، ومن ثم فهو يدركه إدراكا إمبريقيا، والعلاقة بينهما هي في أساسها علاقة خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل.
هكذا يبدو أن معرفة الغير كأنا آخر مستحيلة، مادام أن نظرتنا إليه لا تتجاوز ما هو ظاهري وتبقى مرتبطة بمجال الإدراك الحسي الخارجي.
لكن ألا يمكن معرفة الغير عن طريق الاقتراب منه والنفاذ إلى أعماقه؟ وكيف السبيل إلى تحقيق ذلك؟
1-2- يذهب مالبرانش في كتابه " في البحث عن الحقيقة" إلى أن معرفة الغير صعبة إن لم تكن مستحيلة. فما دامت معرفة الأنا بالغير لا تتعدى مستوى مظهره الخارجي فلن تكون معرفتها عنه إلا قائمة على الافتراض والتخمين، فتعمل الذات على إسقاط إحساساتها ومشاعرها على الغير لتتمكن من معرفته. وبما أن كل واحد منهما يملك من القدرات ما يكفيه لإخفاء ما يشكل حقيقة ذاته فلن تكون بالتالي المعارف التي لدينا عن الآخرين إلا محض افتراضات وتخمينات، ففي حالات عديدة يبرز شخص ما تضامنه مع شخص آخر، نتيجة إحساسه بآلامه لكن ما يظهره قد يخفي حقيقة شعوره فهو لن يكون أبدا نفس إحساس الشخص المتألم ويمكن أن يكون مجرد شفقة ليس إلا. يقول مالبرانش: " فأنا أراك تتألم، لكن إحساسي بك لا يمكن أن يدوم طويلا، لأنني سأخفيه سريعا. هذه إذن هي الأسباب التي تجعل من المعرفة المتبادلة بين الأنا والآخر شيئا صعبا وغير ممكن".

2- الموقف الثاني: إمكانية معرفة الغير:
2-1- وجه موريس ميرلوبونتي نقدا شديد اللهجة إلى سارتر، لأن نظرة الغير لا تحول الذات إلى موضوع والعكس كذلك. أي أنها نظرة تشييئية قائمة على النفي والانسحاب والانغلاق على الذات، ولذلك فهي نظرة لا إنسانية تعامل الغير كحشرة. إلا أن العلاقة بين الأنا والغير تحتمل إمكانات أخرى غير تشييء بعضهما للآخر، وذلك عن طريق التواصل والحوار؛ فالنطق، ولو بكلمات قليلة، هو دليل على أن كل ذات لا يمكن أن تعيش وحيدة في العالم، ما دام أن حقيقة وجودها تكمن في البينذاتية التي تفيد أن بين الذوات أمورا مشتركة تجعل من وجودها شيئا واحدا؛ فوجود الأنا لا معنى له إذا لم تلتحم وتتحد مع الآخرين. وهذا يعني أن قدر الإنسان هو الانفتاح على الآخر بدل البقاء سجين ذاتيته الخاصة، فالوجود الفردي هو في نفس الوقت "وجودا-مع- الآخرين" و"وجودا-من أجل- الآخرين". وإذا كانت معرفة الغير ممكنة، فبأي وسائل تتحقق هذه المعرفة؟

- الاستدلال بالمماثلة: يرتكز استدلال المماثلة على التعبيرات الجسدية الخارجية التي تقوم كوسيط بيني وبين معرفة الحالات الشعورية للغير؛ باعتبار أنني أقوم بنفس التعبيرات الجسدية التي يقوم بها الغير حينما أحس ببعض المشاعر، فأستنتج أن الغير هو أيضا يحس بها حينما يقوم بتعبيرات جسدية مماثلة لتلك التي أقوم بها.
غير أن استدلال المماثلة يطرح كثيرا من الصعوبات، من بينها أن الغير قد يتستر على مشاعره فيبدي من التعبيرات الجسدية عكس ما يبطنه من حالات وجدانية، كما أنه قد يسيء التعبير عنها، فضلا على أن بأعماق الذات مناطق لاشعورية لا يملك الشخص نفسه معرفة حقيقية بها، فكيف له إذن أن يعبر عنها للآخر بواسطة الإيحاءات الجسدية الخارجية.

- التعاطف الوجداني: تتم معرفة الغير حسب الفيلسوف الألماني شيلر من خلال آلية التعاطف الوجداني التي تجعل الذات تسعى إليه وتفهمه، رغم علمها المسبق بأنها لن تتألم كما يتألم ولن تفرح كما يفرح، لأنها لن تكون هي الغير. ومع ذلك يمكنها دائما أن تتألم وأن تفرح معه، وأن تقترب منه عبر اقترابها من نفسها باعتماد نوع من النقل الداخلي للخبرة الوجدانية، إذ سبق للذات أن تألمت وأن فرحت. إذن بالمماثلة والتعاطف الوجداني يمكن للأنا، في نظر شيلر، أن تقترب من الغير وتتعرف عليه.




عدل سابقا من قبل واحد من الناس في الإثنين نوفمبر 28, 2011 5:18 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

المحور الثاني: معرفة الغير Empty
مُساهمةموضوع: رد: المحور الثاني: معرفة الغير   المحور الثاني: معرفة الغير Emptyالجمعة نوفمبر 25, 2011 5:27 pm

عندما تستكمل الذات الوعي بذاتها، تكتشف في ثنايا هذا الوعي الحضور الوازن والمؤثر للغير؛ مما يدفعها حينئذ إلى التفكير في سبل خلق جسور التواصل معه قصد معرفته واختراق حدوده وعالمه؛ إذ يسهل على الذات التعرف عليه أحيانا، فإنه بالمقابل يعسر عليه ذلك في أحيان أخرى. فهل معرفة الغير ممكنة؟ وكيف تتأتى لنا معرفته؟
هل أعرفه كما أعرف الأشياء أي كموضوع؟ أم أتعرف عليه كذات تحمل وعيا وإرادة وحرية؟
جوابا على هذا الإشكال يذهب مالبرانش في كتابه "البحث عن الحقيقة" إلى أن معرفة الغير صعبة إن لم تكن مستحيلة، ويمكن إيعاز ذلك إلى أن كل ما تستطيع الذات أن تشكله عنه، لا يمكن أن يبرح نطاق مظهره الخارجي. وبذلك تكون معرفتنا عنه قائمة على الافتراض والتخمين، مما يدفعنا نحو إسقاط إحساساتنا ومشاعرنا على الآخر كحل لتجاوز المعيقات التي تواجه معرفته. إن درجة التفاهم والشعور المتبادلة بين الأفراد في حيز جغرافي معين، لا تترجم إطلاقا أن كل واحد يعرف الآخر على نحو حقييقي، بحجة أن كل واحد منهما يملك من القدرات ما يكفيه لإخفاء ما يشكل حقيقة ذاته، وبذلك تكون المعارف التي لدينا عن الآخرين، قريبين أو بعيدين، هي محض افتراض وتخمين ليس إلا؛ ففي حالات عديدة يبرز شخص ما، تضامنه مع شخص آخر، نتيجة إحساسه بآلامه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يملك ذلك الشخص نفس الإحساس الذي يشعر به المتألم؟ ثم ألا يمكن أن يكون ما أظهره له مجرد شفقة لا غير؟ هنا تنكشف العلاقة بين الأنا والآخر، فأنا أراك فعلا تتألم، لكن إحساسي بك لا يمكن أن يدوم طويلا، لأنني سأخفيه سريعا. هذه إذن هي الأسباب التي تجعل من المعرفة المتبادلة بين الأنا والآخر شيئا صعبا وغير ممكن.
وعلى خلاف مالبرانش يتصور شيلر، أن معرفة الغير وإدراكه ممكن، لكن شريطة الوعي بأنه ليس عبارة عن مستويين متعارضين واحد خارجي والثاني داخلي؛ وإنما على أساس اعتباره وحدة متكاملة يعتبر فيها المظهر الخارجي صورة مطابقة للإحساس الداخلي؛ وبذلك، فإن ما يتبدى على الغير من ملامح خارجية، تعكس بالضرورة إحساسات داخلية مماثلة لها. إن معرفة الغير لا تتم إذن إلا من خلال آلية التعاطف الوجداني التي تجعل الذات تسعى إليه وتفهمه، رغم علمها المسبق بأنها لن تتألم ألمه ولن تفرح فرحه لأنها لن تكون هي الغير، ومع ذلك يمكنها دائما أن تتألم وتفرح معه، وأن تقترب منه عبر اقترابها من نفسها، باعتماد نوع من النقل الداخلي للخبرة الوجدانية، إذ سبق للذات أن تألمت وفرحت. إذن بالمماثلة والتعاطف الوجداني يمكن للأنا أن تقترب من الغير وتتعرف عليه.
أما ميرلوبونتي فهو يرى عكس سارتر أن نظرة الغير لا تحول الذات إلى موضوع والعكس كذلك، فالعلاقة القائمة بينهما تفصح عن إمكانات واسعة غير تشييء بعضهما للآخر؛ ما دام أن كل واحد منهما يملك ما يكفيه من المؤهلات لمعرفة الآخر، وذلك عن طريق التواصل والحوار؛ فالنطق ولو بكلمات قليلة هو دليل قاطع على أن كل ذات لا يمكن أن تعيش في العالم وحيدة، ما دام أن حقيقة وجودها تكمن في البينذاتية . التي تفيد أن وجود الأنا هو وجود-من أجل الغير وأن بين الذوات أمورا مشتركة تجعل من وجودها شيئا واحدا.
هكذا يتضح أن هناك تصورات متباينة من إشكالية معرفة الغير، تتراوح بين القول باستحالة معرفة الغير وتأكيد هذه المعرفة. بل إن القائلين بإمكانية معرفة الغير هم أيضا يختلفون في الكيفية التي يجب النظر بها إلى الغير، هل يجب النظر إلى الغير كموضوع خارجي لا تربطه أي صلة بالذات، أم كذات؟
إن النظر إلى الغير كموضوع قد يفضي إلى علاقة سلبية بين الأنا والغير، إنها علاقة تشييء، أي النظر إليه كشيء بين الأشياء، وتجميد لكل إمكانيات الغير، ما دام هذا الغير جحيما بالنسبة للأنا. لكن الواقع الفعلي يكشف عن علاقة مخالفة لما ذهب إليه سارتر. صحيح أن اللقاء مع الغير لا يخلو من توتر ونظرتي إليه تتفحصه كموضوع طبيعي حي، لكن بمجرد ما يتكلم حتى يكف الغير على أن يكون متعاليا وغامضا ولغزا، لتنتسج بينه وبين الذات علاقة إنسانية قوامها التعاطف والتداخل الوجدانيين، فالتعبير عن الفرح أو الغضب أو الحزن يفهم كقاسم إنساني مشترك بعد أن تكون اللغة قد وطدت دعائمه ومهد الكلام طريقه، كما بين ذلك ميرلوبونتي. كما أن التواصل مع الغير لا يجب أن يقف عند فعل المعرفة واستخدام مناهج تعتمد على المقاربة بالمماثلة (عند ماكس شيلر) لأن من شأن هذه المناهج أن تفضي إلى معرفة هلامية بالغير، وافتراض شفافية الذات إزاء نفسها وتسليمها بكونية الطبيعة البشرية، لأن مظاهر حالات الغير ومشاعره تكون لها دلالات مختلفة، فالبكاء لا يفيد الحزن دائما، والعقل ليس دائما هو الطريق لمعرفة الذات الإنسانية، ذلك أن الذات لا تقف، كما أكد ذلك المحلل النفسي النمساوي فرويد، عند مستوى الوعي والإدراك الواضح، بل هي بنية نفسية لا شعورية عميقة يصعب سبر غورها. إنها تشكل كلا مركبا ومتغيرا عبر الزمن، وبالتالي فهي تند عن تحديد أو ضبط علمي دقيق لمكوناتها. إذن الوقوف عند حدود المعرفة لا يمدنا بفهم عميق للغير، بل لا بد من التواصل معه انطلاقا من مفهوم الاعتراف المتبادل كمبدأ ضروري يمكن من النظر إلى الغير لا كموضوع بل كذات مغايرة لذاتي، لكنها مساوية لها في القيمة، تربطني بها علاقة احترام متبادل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
واحد من الناس
Admin
واحد من الناس


المساهمات : 494
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
العمر : 42

المحور الثاني: معرفة الغير Empty
مُساهمةموضوع: رد: المحور الثاني: معرفة الغير   المحور الثاني: معرفة الغير Emptyالأربعاء سبتمبر 26, 2012 5:35 pm

1- ديكـــارت (1596-1650): وجود الغير افتراضي
في الفلسفة الحديثة ستظهر الإرهاصات الأولى لفكرة الغير في التصور الديكارتي القائم على اعتبار أن ماهية الإنسان تتمثل في "الذات المفكرة" أو ما يعبر عنه ب"الكوجيطو" (Le Cogito) . فقد كانت النتيجة الأساسية للشك المنهجي عند "ديكارت" هي التأكيد على أن التفكير هو جوهر الذات الإنسانية، لكونه يمثل الحقيقة اليقينية التي تفرض نفسها على العقل دون حاجة إلى الإستدلال. فوجود الأنا ووعيه بذاته يمثل يقينا لا يقبل الشك، أما وجود الغير فلا يعدو أن يكون وجودا جائزا محتملا أو افتراضيا يحتاج إلى استدلال العقل وحكمه، وهو ما يعني أن وعي الأنا بذاته لا يمر بالضرورة عبر الآخر أو لا يشترط وجود الغير. وهذا ما يشير إليه قول "ديكارت" التالي :
" أنظر من النافذة فأشاهد بالمصادفة رجالا يسيرون في الشارع، فلا يفوتني أن أقول عند رؤيتهم أني أرى رجالا بعينهم، مع أني لا أرى من النافذة غير قبعات ومعاطف قد تكون غطاء لآلات صناعية تحركها لوالب، لكني أحكم بأنهم ناس..إذن فأنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني "...
وهكذا يلاحظ أن النتيجة المنطقية لهذا التصور هي القول بوحدانية الذات (Le Solipsisme)، لأن كل ما أكون متيقنا منه هو أنني أنا وحدي موجود، أما وجود الغير فهو مجرد وجود افتراضي قابل للشك أو محتمل وجائز فقط ، بحيث يتوقف على إثبات العقل وليس وجودا بديهيا وضروريا كما هو الأمر بالنسبة للأنا.


2- موريس ميرلو- بونتي :(1908/1961) الغير كذات
يرفض العلاقة التشييئية أو الجحيمية التي ينطوي عليها موقف "سارتر"، مؤكدا على ضرورة تجاوزها نحو علاقة إنسانية بين الأنا والغير، تقوم على الإعتراف المتبادل بكل منهما كذات واعية حرة تتطابق مع الطرف الآخر ولا تتناقض معه، الشيء الذي سيسمح بنشوء علاقة التعاطف والمشاركة الوجدانية بينهما..ويعبر"ميرلو- بونتي" عن ذلك في قوله :
"والواقع أن نظرة الغير لا تحولني إلى موضوع، كما لا تحوله نظرتي إلى موضوع، إلا إذا انسحب كل منا وقبع داخل طبيعته المفكرة، وجعلنا نظرة بعضنا إلى بعض لا إنسانية، وإلا إذا شعر كل منا بأن أفعاله بدلا من أن تتقبل وتفهم، تخضع للملاحظة مثل أفعال حشرة".
وبناء على هذا الإعتراف المتبادل، يصبح الغير قابلا للإدراك من خلال الإستدلال بالمماثلة كأسلوب يقتضي أن يقيس الإنسان أفعال الغير على أفعاله هو لكي يدرك دلالتها ومعناها الباطني أو النفسي (Raisonnement par analogie ) كما يؤكد "م بونتي" في قوله : "إني أرى الآخرين من حولي يستخدمون الأدوات بكيفية معينة، فأماثل بين سلوكاتهم وسلوكاتي، وأقارن بين تجاربهم وتجربتي التي تعلمني معنى الأفعال التي أدركها والقصد منها.."؛ أو عن طريق المشاركة الوجدانية التي تقوم على التعاطف مع الغير ومشاركته مشاعره بوصفه أنا آخر مثلي يمكنني إدراك عالمه الباطني.. وهكذا، بدل النظر إلى الغير كشيء أو كموضوع، يقوم هذا الموقف على الإعتراف بالغير بوصفه "ذاتا" مطابقة للأنا، يمكن إدراك معاني أفعالها وطبيعة مشاعرها باعتبارها مطابقة لدلالة أفعال الأنا ومشاعرها.

3- جان بول سارتر :(1905/1980) الغير كموضوع (أو كشيء)

تأخذ العلاقة المعرفية بين الأنا والغير طابعا تشييئيا كما يبدو ذلك في "النظرة" التي ينتج عنها تجميد لعفوية الذات وتلقائيتها. فالأنا تنظر إلى الغير كشيء خارجي، فتنزع عنه بذلك كل معاني الذات لتحوله إلى شيء أو موضوع فاقد لمقومات الوعي والحرية..ومعنى ذلك أنه بمجرد دخول الأنا والغير في علاقة معرفية يتحول كل منهما إلى موضوع بالنسبة للآخر، وهو ما يخلق هوة عميقة يستحيل معها إدراك العالم الباطني للغير، لأن ما يتبقى منه لا يشكل سوى "شيئا" يتم إدراكه بكيفية موضوعية خارجية مثل بقية الأشياء. وإذا كانت نظرة الآخر تحد من حريتي وتفقد كينونتي ما يميزها من صفات الذات، فإنه سيمثل جحيما لا يطاق كما تدل على ذلك عبارة "سارتر" المشار إليها سابقا.

4- هيجل (1770-1831): ضرورة وجود الغير

مع "هيجل" نجد تجاوزا صريحا للنزعة الذاتية التي تأسست عليها فلسفة "ديكارت"، والتي تتمثل في اعتبار أن الأنا يحقق وعيه بذاته في استقلال أنطولوجي مطلق عن العالم والآخرين . ف "هيجل" يؤكد على ضرورة وجود الغير في تشكيل الوعي بالذات، وذلك لأن الإنسان لا يكتمل وعيه بذاته إلا عبر الإعتراف به من طرف الغير . فكل ذات ترغب في الإعتراف بها من طرف الآخرين، ولا قيمة لوعي ذاتي منعزل لا يحظى بالرضى أو القبول من طرف الغير.. وما دامت غاية الحصول على الإعتراف تميز الأنا و الغير معا، فإن نتيجة ذلك هي دخول الطرفين (أو الوعيين) في صراع لا ينتهي إلا باستسلام أحدهما لتنشأ بينهما علاقة السيد بالعبد أو التابع. وبذلك يقر "هيجل" بأن الوعي بالذات لا يتحقق بشكل معزول عن الغير، بل يتوقف على اعتراف يكون ثمنه صراع يفضي إلى السيادة و التبعية بين الذوات.
وعموما يتضح، في سياق الفلسفة الحديثة،أن الغير لا يعد شرطا ضروريا للوعي بالذات ما دام وجوده لا يبلغ درجة البداهة مقارنة مع وجود الأنا من منظور الفلسفة الذاتية (ديكارت)، ويصبح شرطا لازما لوعي الأنا بذاته عبر الدخول معه في صراع للحصول على الإعتراف من منظور الفلسفة الجدلية (هيجل).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://psychos.net
 
المحور الثاني: معرفة الغير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المحور الثالث: العلاقة مع الغير
» المحور الثاني: العقلانية العلمية
» هل معرفتي بذاتي تمكنني فعلا من معرفة الغير؟
» المفهوم الثاني: الغير
» المحور الأول: وجود الغير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المعرفة للجميع :: الفلسفة والإنسانيات :: فضاء الفلسفة بالثانوي :: ملخصات الدروس-
انتقل الى: